الشيخ حارث الضاري: المقاومة لملمت وضعها... الاحتلال مأزوم وإيران تعاونه 11 /01 /2008 م 09:59 مساء الشيخ حارث الضاري: المقاومة لملمت وضعها... الاحتلال مأزوم وإيران تعاونه |
في أثناء زيارته للرياض التقيناه، بث لنا من شؤون العراق وشجونه ما عبر بنا من أعماق التاريخ إلى حقائق الواقع وشواهده.
الشيخ الدكتور حارث الضاري :ما جرى في العراق كان مقدراً منذ عقود؛ فـ" إسرائيل " سعت دوما لتفتيت العراق منتهزة أي فرصة مواتية، تأسيساً على الأساطير التي سطرت في كتبهم من توراة وتلمود وغيرهما، ثم ما عمقته الحركة الصهيونية من حقد على هذه الأمة عموماً، والعراق خصوصاً، حين جعلوا من سبيهم على يد نبوخذ نصر البابلي العراقي الوثني الذي لم يؤمن بالإسلام ولم يشر المسلمين فيما فعل، وجلب الكثير منهم إلى العراق وإلى وسط العراق تحديداً (بابل وما جاورها من مناطق العراق)، مدعاة للانتقام من الشعب العراقي بناء على مآسي السبي البابلي، والواردة في التوراة والتلمود، ثم بناء على النصوص الداعية للانتقام في التوراة، والتي هي للعيان واضحة "الوضع" وواضحة الدس لأنها لا تشبه كلام البشر العادي البسيط فضلاً عن أن تحاكي كلام الأنبياء والرسل ومن ثم كلام الله جل وعلا.
الشيخ الدكتور حارث الضاري :نحن في الهيئة ننطلق من إيمان بأن وحدة الأمة شيء مقدس وهذا شيء لم نبتدعه وإنما فهمناه من نصوص ديننا ومن تعاليم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن تأريخنا الإسلامي الناصع، وأيضاً من تربيتنا كعراقيين تعودنا على أن نواجه مثل هذه المشاكل.
نحن في العراق نعيش حالة استثنائية تقريباً؛ فالعراق واجه منذ إنشاء الدولة العباسية وبعدها وإلى يومنا هذا الكثير من الحملات والاجتياحات والحملات الكثيرة التي زادت عن الأربعين اجتياحاً وغزوة من الشرق والغرب، وكان من أكبرها في التاريخ هو اجتياح المغول التتار للعراق، وما أدراكم ما التتار وما فعلوا ببغداد، ومن لم يعلم ذلك فليرجع إلى التاريخ، وإلى ابن الأثير ـ مثلاً ـ ليصف ما حل ببغداد وأهلها، ثم ما ترتب على انهيار بغداد من انهيارات لدولة الإسلام ولقوة المسلمين وما إلى ذلك، ثم ابتلينا بعد ذلك بالغزوات من الشرق خصوصاً بعد أن نشأت الدولة العثمانية وضمت العراق إليها.
كان الفرس أو الإيرانيون للأسف دائماً يهجمون على العراق كلما ضعفت الدولة العثمانية أو انشغلت بحروبها في الشمال أو الغرب في أوروبا أو في غيرها؛ فهم يستغلون هذه الفرصة ويهجمون على العراق ويحتلون مدنها، وقد احتلوا بغداد عدة مرات وفي بعض اجتياحاتهم وصلوا إلى الموصل ولكنهم لم يبقوا فيه كثيراً (أشهراً أو أقل من سنتين)، وآخر ما جمع العراقيين، هو الاحتلال البريطاني في عشرينات القرن الماضي، وكان العراقيون قلة لا يزيدون عن ثلاثة ملايين ونصف تقريباً، ولكنهم اجتمعوا جميعاً من سنة وشيعة، قاد الحملة العلماء، وجيشهم كان من القبائل، وانتهى الاحتلال البريطاني وعاد للعراق حريته ومكانته.. ثم أخيراً ابتلينا بهذا الاحتلال، وهذا الاحتلال حقيقة هو أخطر ما واجهه العراق على مدى تاريخه وأخطر من التتار.
لماذا؟
الشيخ الدكتور حارث الضاري :لأن الأعداء فيه متعددون بينما التتار هم عدو واحد، وهذا العدو (التتار) بعد أن أفرغ حقده وقوته في العراق انقض عليه العراقيون وذهبت قواه وما نجح في النفاذ إلى بلاد الشام بحمد الله، أما هذا العدوان/أمريكا ومعها أكثر من عشرين دولة صغيرة وكبيرة بمن فيهم إيران التي عاونتهم من البداية، بل وحرضتهم على احتلال العراق وساندتهم مخابراتياً، وإيران هي التي روجت لهم في حيز الشيعة، وأصدرت لهم فتوى في جواز التعاون مع العدو ضد السلطان الجائر، ثم إيران هي التي فتحت مجالها للعدوان، وإن كانت أعلنت أنها لا تسمح لطائرات الاحتلال باختراق أجوائها، لكنها عملياً سمحت باستخدام أجوائها للطائرات الأمريكية، ثم هي دعمت العملية السياسية، وكانت أول دولة تعترف بـ"العراق الجديد"، وأول وفد رسمي حط في أرضه مباركاً هو وفدها، ولذلك فإيران شريكة لأمريكا، وهذا ما اعترفوا به حين قال أبطحي نائب الرئيس الإيراني السابق: لولانا لن تستطيع أمريكا أن تحتل العراق ولولانا لم تستطع أن تدخل أفغانستان، وهذا ما قاله رافسنجاني وهذا ما قاله آخرون منهم، وهذا هو الواقع والآن هي تتعامل على أرض العراق مع أمريكا.. فهيئة علماء المسلمين من البداية استشعرت الخطر وقامت بواجبها الديني والوطني، وأقول الوطني لأن الواجب الوطني هو جزء من الواجب الديني، واستخدامه عندنا في العراق هو لجمع شتات العراقيين الذين يمثلون أطيافاً متعددة من أديان ومذاهب ومشارب متعددة كثيرة، لذلك أنا أستغرب من بعض الجهات التي تنتقد الهيئة وتقول الهيئة وطنية وتتكلم بالوطنية! ولا أدرى لماذا؟ أو على ماذا؟ هل هم يميزون بين الوطن وبين دولة الإسلام؟ وبين الوطن وبين مال الإسلام الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: "من قُتل دون ماله فهو شهيد".
على أي حال العراق أمام هذه المشكلة أمام هؤلاء الأعداء الكثر انقسم أهله، الشيعة روضوا من البداية على أن لا يقاوموا الاحتلال بل يؤيدوه، الأكراد بالتأكيد هم من المحرضين وممن جاؤوا على الدبابات كما يقال فوجدوا في هذا فرصة، لم يبق غير أهل السنة الذين انفرط عقدهم، الدولة كلها تفككت بمؤسساتها الحاضنة لهم، ذهب الجيش، وانتهت الأوقاف، والمساجد أصبحت تائهة لا رأي لها، وأصبح أمر أهل السنة شتاتاً؛ فنشأت هذه الهيئة والحمد لله من شباب العلماء وكهولهم، وكنت يومها خارج العراق، في الإمارات تحديداً، أعمل في إحدى جامعاتها، ثم عدت بعد الاحتلال بثلاثة أشهر بعد أن ألغيت العقد، وانضممت إلى الشباب في الهيئة، ثم بعد ذلك بثمانية أشهر أو سبعة أشهر اختاروني لقيادة الهيئة، ومن يومها ونحن نعمل من أجل العراق و الأمة، ونشدد على أن الأمة إما أن تكون أو لا تكون من خلال العراق فإذا ذهب العراق؛ فإن الأمة ستذهب.. فالمؤامرة أكثر من كونها حقداً على صدام أو خطأ ارتكبه صدام وما أكثر المخطئين الذين يرتكبون الأخطاء في العالم فلماذا العراق إذن، إن المسألة ذريعة ليس إلا دائماً في كل كلامنا نتكلم ونطلب من إخواننا العقلاء والسياسيين منهم بالذات وأصحاب الهم أن يكون خطابهم عراقياً عاماً وليس طائفياً.
أرادت قيادة الشيعة منا أن يسحبونا إلى خطابهم الطائفي فأبينا عليهم، وبقينا نتكلم باسم العراق وباسم الشعب العراقي فاغتاظوا من ذلك كثيراً ولذلك اعتبرونا العدو الأول واعتبرونا إرهابيين وذهبوا إلى الدول العربية محرضين، وقالوا إن هيئة علماء المسلمين تحرض على الإرهاب، وسدوا الأبواب علينا عند بعض الدول العربية. قلنا لا يهمنا ذلك حتى لو لم نخرج من العراق أبداً.
وحاول بعضهم إبعادنا عن العراق بأي شكل، حتى اقترحوا علينا الحج! فقلت: لقد حججت مرتين، والأولى البقاء في العراق وهو يقاتل أعداءه، ولن نخرج إلا بدعوة رسمية، لذا بالفعل لم نزر أي بلد عربي إلا بدعوة رسمية، لأننا نحمل هم العراق ونريد أن ننقل هذا الهم للآخرين، ونطلعهم على حجم المأساة، ونستطلع آراءهم، وما إذا كانوا مجرد متفرجين على المأساة أم راضين عنها أم مشتركين في المؤامرة ضد العراق وأهله؟ وهل هم مستشعرون للخطر الذي يتهددهم فيما لو انتهى العراق؟؟
يسّر الله تعالى لنا ذلك بعد صبر طويل ومعاناة شديدة مرت علينا بأيامها، ثلاث سنوات تقريباً، وكثير من الدول العربية تسمعنا أجهزتها الخاصة ـ لا إعلامها ـالكلام الجارح، ونقول دائماً لا حول ولا قوة إلا بالله، علينا أن نستمر ولتكن النتيجة ما تكون؛ فالحمد لله استطعنا ـ بتوفيق الله ـ ثم بخطابنا العام أن نثبّت الكثيرَ من أبناء شعبنا، ونبصرهم بحقيقة القضية، واليوم وعى إخواننا الشيعة العرب الخلص في الجنوب خيوط المؤامرة؛ فقد ظلوا خلال السنة الأولى والثانية من الاحتلال مخدوعين بقياداتهم السياسية التي جاءت من الخارج، حين قالت لهم سننقذكم من العبودية التي كنتم تحتها في ألف وأربعمائة عام تحت حكم السنّة!! سنعيد لكم مظالمكم وحقوقكم المغتصبة من قِبَل السنة وكذا وكذا، وهو كلام كله باطل، إذ لم يكن هناك تمييز في أصل بالعراق لا تمييز ولا حقوق مغتصبة من فئة دون أخرى، فالاستبداد حين يأتي كان يعم السني والشيعي والكردي، وإخواننا العراقيون يدركون هذا.
المهم أننا قد نجحنا الآن والحمد لله في بث هذا الوعي، وأكثر من 80% من أبناء شعبنا ومن كل أطيافه باتوا الآن مع المشروع العراقي الوطني ومع تحرير العراق ووحدته وهويته العربية والإسلامية والحفاظ على عقيدة العراق وحضارته وتاريخه.
وماذا تكبدتم خلال جهدكم في الأعوام الماضية؟
الشيخ الدكتور حارث الضاري :بالمقابل هذا كله لم يأت مجاناً؛ فهناك تضحيات كثيرة وكبيرة؛ والمعطيات بين أيدينا تبين أن أكثر من مليون عراقي قد قتل، وأكثر من مليون ونصف المليون مريض وجريح ومعوق، وخمسة ملايين يتيم الآن في العراق، ونحو مليون أرملة في العراق، وأكثر من سبعة ملايين مهجر ومهاجر، منهم قرابة أربعة ملايين خارج البلاد، وثلاثة ملايين في الداخل، من سنة وشيعة، وأكثر من تسعين ألف أسير ومعتقل في سجون الاحتلال والحكومة والميليشيات.
في الواقع لا حكومة في العراق، بل شخص واحد يحكم هو وزير لكل الوزارات، اسمه نوري المالكي رئيس الوزراء، وقد منحه بوش كافة الصلاحيات؛ فهو يحكم بأمر بوش من المنطقة الخضراء، ولا يستطيع أن يتجول حتى في بغداد !!
الآن وأنا قادم إليكم اتصل بي أخ شيعي من كربلاء، وهي المدينة ذات الغالبية الشيعية، فسألته عن أحوالها، فأخبرني أنهم في مأساة، حيث القتل دائر بين القوى الشيعية من مجلس أعلى وجماعة الصدر وغيرهم في نزاع مستمر على النفوذ والسلطة والمال، سألته عن الحالة الاجتماعية؛ فأخبرني كيف يعيش بلد النفط بلا نفط في هذا البرد القارص، حتى إن قنينة الغاز قد لا يتمكن المواطن من الحصول عليها في شهر كامل، ويقارن هذا الأخ بين حالهم في زمن صدام والآن، حيث كانت السلع توزع عليهم شهرياً تتضمن ما يلزم البيت خلاله من الأرز والطحين والسمن والسكر.. إلخ بموجب بطاقة تموينية، والآن ـ يقول ـ لا توفر لهم البطاقة إلا صابونة واحدة وكيلو شاي للعائلة الكاملة وثلاث سلع ليس فيها الأرز والطحين.. ثم حدثني عن البطالة وشلل حركة المرور وما إلى ذلك.
وهل أنتم متفائلون بتحقيق النصر وزوال الاحتلال في النهاية؟
الشيخ الدكتور حارث الضاري :كل هذا الوضع سيزول بإذن الله تعالى، كما قلت لكم التاريخ علمنا أن هذا سيزول، وإيماننا بالله كبير في موعوده ونصره لعباده المؤمنين الجادين.
نحن واثقون من كل هذا، ولذلك نقول ستزول هذه الأشياء بعون الله، واليوم إخوانكم في العراق على الرغم مما تسمعون من وجود ما يسمى بـ"الصحوة" ومن وجود ما يسمى إرهاباً ومن وجود ما يسمى اقتتال وما إلى ذلك؛ فإن النزاع الآن على البقاء الاحتلال الذي بات مأزوما لا يدري كيف يبقى أو كيف ينسحب ولا تصور لديه لهذا أو لذاك. وهذا ما لمسناه وأدركناه من خلال من اتصلوا بنا من القريبين منهم ومن القرار الأمريكي، ثم من الممارسات السياسية التي وقعت من الرئيس الأمريكي؛ إذ تارة يذم المالكي وأخرى يمدحه، ورئيس الحكومة ذاته اليوم خائف وشيعته مختلفون بأكثر من أي وقت مضى.
أخيراً، تبقى المقاومة مستمرة والحمد لله.. نعم هي أصيبت باختراقات وباختلافات وببعض الضربات من الأعداء لكنها والحمد لله الآن لملمت أطرافها، واستعادت لحمتها، وأضيف إليها الكثير من الشباب الجديد الواعي الذي يقاتل من خلال العناوين المعروفة، وحتى من يقاتل الآن بلا عناوين احتساباً لله وخوفاً من الاختراق ولله الحمد..
على أي حال أمام كل هذه المأساة فالأمل كبير جداً في أن العراق سيخرج قريباً من كبوته بأمر الله تعالى وليس ذلك بعزيز على الله جل وعلا الذي وعدنا ووعد عباده الصادقين ـ ولسنا نحن وإنما وعد عباده الصادقين ـ بالنصر والفوز على الأعداء في النهاية.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
No comments:
Post a Comment