لـ "الانتقاد": الأزمة اليمنية تنطوي على مخاطر جدية بالتشطير والحرب الأهلية
باريس ـ نضال حمادة
أكد الكاتب والباحث السياسي في شؤون العالم العربي فيصل جلول أن الأزمة اليمنية تنطوي على مخاطر جديّة بوقوع حرب أهلية وتشطير البلاد إذا ما تزايدت الضغوط من أجل انتقال للسلطة بالإرغام والقهر. وقال جلول في حديث لـ:الانتقاد" في باريس إن خارطة القوى القبلية بين السلطة والمعارضة معقدة للغاية، وأن من الخطأ تبسيطها في الانقسام الافقي بين قبيلتي حاشد وبكيل. ولاحظ جلول أن تشطير اليمن لن يتم بحال حصوله بين الشمال والجنوب وإنما إلى اجزاء وأقسام عديدة يصعب ضبطها مسبقا، كما أكد أن الحوثيين يؤيدون المعارضة لكنهم لن ينخرطوا بقوة في الحراك القائم الا عندما تقترب مطالب المتظاهرين من العقيدة
الحوثية الدينية. وفيما يلي نص الحوار.
*هل يمكن لك أن تحدثنا عن خريطة الصراع القائم في اليمن حاليا من الناحية القبلية؟
ـ من المهم جدا النظر إلى موقف القبائل المحيطة بصنعاء، وهي بمعظمها أبدت تأييدها للرئيس علي عبدالله صالح الذي استقبل وفوداً منها وقام بزيارات متعددة لوجهائها في محيط المدينة. ومن المعروف تاريخياً أن السلطة في صنعاء كانت تضمنها هذه القبائل وامتداداتها خارج اللواء الصنعاني، ومعروف أيضاً أن الرئيس اليمني ينتمي إلى إحدى القبائل السبع، ويحتفظ بولاء القسم الأكبر منها وأخيراً تنتشر في مناطق هذه القبائل معسكرات أساسية للجيش اليمني الشرعي. ومعروف أيضاً أن السلطة في صنعاء حاشدية، لكن هذا الانتماء ليس مصيرياً ولو كان مصيريا لأصيب الحكم بالضعف جراء فتور الزعامة الحاشدية إزاءه منذ سنوات، وانشقاق حميد الأحمر نجل زعيم القبيلة عنه فضلا عن أنجاله الآخرين، ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن الرئيس صالح تمكن أيضاً من إقامة علاقات قوية للغاية مع زعامة بكيل ويحتفظ بتأييد قسم مهم من أبنائها، ويشاهد إلى جانبه في الاحتفالات العامة الشيخ محمد بن ناجي الشايف نجل زعيم بكيل عبدالعزيز الشايف. ومن المفيد الإشارة إلى أن حاشد وبكيل ومذحج تشكل أكثر من 90 بالمائة من قبائل اليمن وهي اتحادات قبلية كبيرة يقدر حجمها بالملايين، وبالتالي من الصعب الرهان عليها بصفتها تلك وإنما بعض فروعها، علماً أن العصبية القبلية تشتد في النزاعات بين القبائل حول الثأر والأرض والنسب وليس حول الانتماء السياسي. ولعل إلقاء نظرة على انتماء حاشد الجمهوري يفيد في توضيح هذا الجانب، فقد أكد لي الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الاحمر شيخ مشايخ قبائل حاشد أن انحياز أفراد القبيلة للجمهورية تم بسبب اغتيال النظام الإمامي لوالده وأخيه، ولولا ذلك لبقيت حاشد ملكية ما يعني أن العصبية السياسية ضعيفة في الاتحادات القبلية، وقد تكون قوية في احد الفروع وعلى نطاق محصور وليس في كامل الائتلاف. وفي السياق نفسه أكد لي الشيخ سنان أبو لحوم وهو من مشايخ بكيل البارزين، ان كل قبائل اليمن صارت جمهورية بعد العام 1962 وليس قبله أما "جمهوريتها" فهي سطحية، الأمر الذي يعزز الاستنتاج بأن العصبية السياسية للقبائل ضعيفة وبالتالي لا يمكن الاستناد إليها في معارك سياسية طويلة الأمد. باختصار يمكن القول أن الخارطة القبيلة في النزاع القائم اليوم، تنطوي على تأييد للرئيس صالح من طرف معظم القبائل السبع المحيطة بصنعاء باستثناء أقسام واسعة من قبيلة خولان، في حين يؤيد قسم كبير من حاشد الشيخ حميد الأحمر المعارض الأبرز للسلطة والذي لا يخلو معقله الرئيسي في عمران من نفوذ رئاسي يمثله انجال مجاهد ابو شوارب المؤيدين للرئيس اليمني.
*من يقف وراء التظاهرات اليمنية حالياً؟
ـ إن خارطة القوى القبلية بين السلطة والمعارضة معقدة للغاية، وأن من الخطأ تبسيطها في الانقسام الافقي بين قبيلتي حاشد وبكيل ـ يفصح حجم الضحايا الذين سقطوا في مجزرة صنعاء الأسبوع الماضي عن انتماء المتظاهرين بأغلبيتهم الساحقة الى المناطق الوسطى في اليمن وبخاصة تعز ومحيطها، ومعروف ان هذه المناطق هي الأقل عصبية في البلاد وتنتمي إلى المذهب الشافعي وهي كانت مستبعدة من الحكم في العهد الإمامي. وتجدر الإشارة إلى أن هوية القسم الأكبر من المتظاهرين في صنعاء قد ارتسمت خلال سجال اندلع في بداية الاحتجاجات، حيث اتهم المتظاهرون بعض شيوخ القبائل بالتخلف والامتناع عن الاندماج في العصر، في حين أطلق القبليون على المتظاهرين لقب "براغلة" أي اكلة "البرغل " تمييزا لهم عن اكلة لحم الضأن من ابناء القبائل. واذ يهتف المتظاهرون برحيل النظام، كان القبليون يهتفون برحيل "البراغلة" إلى بلادهم أي المناطق الوسطى. وقد انضم إلى صفوف المتظاهرين تشكيل واسع من الشخصيات والأحزاب والقوى المهمشة أو المتضررة من نظام الرئيس علي عبدالله صالح. لقد ظلت هذه الخريطة في صنعاء على هذه الحال حتى مجزرة الجمعة الماضية التي استدرجت اصطفافاً قبليا مهما الى جانب المتظاهرين وبخاصة الشيخ صادق الأحمر شيخ مشائخ حاشد والعميد علي محسن الأحمر أحد ابرز وجوه سنحان وقائد الفرقة المدرعة الأولى في صنعاء، والشيخ البكيلي أمين العكيمي الذي تربطه مصاهرة مع الشيخ حميد الاحمر. والحال الجديد هو الأهم منذ بدء الاحتجاجات، لأنه ينطوي على اختبار لمراكز القوى في السلطة وحولها، ومنه يمكن النظر إلى مستقبل النظام في اليمن. مع الإشارة إلى أن استقالة السفراء والمثقفين مفيدة في الترويج الإعلامي
الخارجي للنزاع على السلطة وليس في حسم هذا النزاع الذي يحسم في مراكز القوى الأساسية في البلاد وليس في الشارع حصراً
*برأيكم على أية قوى يعتمد نظام على عبدالله صالح ؟
ـ تستند سلطة الرئيس علي عبدا لله صالح إلى تشكيلة واسعة من القوى التي نجح في تحويلها الى عصبية سياسية حامية للنظام ومستفيدة منه، وهذه التشكيلة نجد أثرها في حاشد وبكيل ومذحج وفي المؤسسة العسكرية التي شبت في عهده وفي كتلة جنوبية واسعة ومهمة قاتلت دفاعا عن الوحدة اليمنية، فضلا عن قسم مهم من النخبة السياسية والإدارية التي نمت في ظل الاستقرار النسبي الذي تحقق في البلاد طيلة السنوات الثلاثين الماضية.
*هل ينقسم اليمن في حال سقوط النظام؟
ـ يتوقف الأمر على كيفية حل الأزمة الحالية. ويمكن القول بالاستناد إلى خبرتي في شؤون هذا البلد، أن كل حل قهري وإرغامي لانتقال السلطة ينطوي على مخاطر جديّة على وحدة البلاد، وذلك ليس لأن النظام فريد من نوعه في هذا العالم، بل لأن الائتلاف السياسي والإجتماعي الذي يتشكل منه النظام يعكس قدراً كبيراً من الوحدة الداخلية والتأييد الخارجي، وبالتالي سيكون من الصعب بقاء هذه الوحدة إذا ما أطيح بالنظام من طرف فئة واحدة لا يُجمع اليمنيون على تأييدها. أن البديل الآمن للنظام اليمني يكمن في تشكيلة ائتلافية وحدوية من طبيعة مشابهة للتشكيلة الراهنة، واعتماد منهج براغماتي في الحكم لا مكان فيه للإقصاء والاستبعاد والاستئصال. وكل حل فئوي للأزمة سيهدد بصورة جديّة وحدة البلاد وتشطيرها، ليس فقط إلى شطرين وإنما إلى أشطار عديدة من الصعب توقع حجمها وعددها.
*كيف تتوقع أن تكون الحالة اليمنية في ظل فراغ دستوري محتمل؟
ـ ثمة من يدفع باتجاه الفراغ الدستوري وبالتالي تجريد الرئيس اليمني من شرعيته الدستورية، لكن ذلك ليس حاسما في مصير السلطة اليمنية. نحن نعرف أن لبنان يحتفظ بخبرة طويلة في النظام القائم على الشرعية الدستورية وكان اللبنانيون يجدون دائما وسيلة شرعية ودستورية يبررون بواسطتها اتفاقهم على تسوية أزمة مستعصية أو الخروج من الحرب الأهلية، والحالة اليمنية ليست بعيدة عن الحالة اللبنانية فكل فراغ دستوري هو نتيجة وليس سببا لأزمة ما يعني ان الحل السياسي للأزمة لن تعترضه العقبات الشرعية والدستورية.
*هل تعتقد ان بعض الاعلام العربي ضلل المشاهد حول الاحداث اليمنية؟
ـ إن مجتمعا مدججاً بالسلاح لا يمكن حل مشاكله إلا بالتراضي وليس بالقهر والإرغام والعنف كما توحي صورة اليمن في الإعلام العربي ـ مشكلة الإعلام العربي مع الأحداث اليمنية أنه كان يستعجل إسقاط النظام ولو عن طريق المبالغات وتكبير أحجام المتظاهرين، بل أحيانا اللجوء إلى تقديم متظاهرين مؤيدين للحكومة بوصفهم معارضين!. والناظر بقدر من الموضوعية إلى التظاهرات اليمنيةيمكنه أن يلاحظ إن الرئيس صالح استطاع إنزال مئات الآلاف من المتظاهرين إلى الشارع للدفاع عن نظامه الأمر الذي عجز بن علي والقذافي ومبارك عن الوصول إلى عشره. طبعا هناك قسم من المتظاهرين يتأثر بالدولة وهم من الموظفين، لكن الذين يعرفون اليمن يمكنهم أن يجزموا بأن أحداً في هذا البلد لا يمكن إنزاله بالقوة إلى الشارع. أن بلداً يمتلك 60 مليون قطعة سلاح لا يمكن لأية سلطة فيه أن تفرض بالقوة ما تريده من المواطنين أو من قسم منهم. أن مجتمعا مدججاً بالسلاح لا يمكن حل مشاكله إلا بالتراضي وليس بالقهر والإرغام والعنف كما توحي صورة اليمن في الإعلام العربي. المشكلة الثانية في التغطية الإعلامية العربية ناجمة عن التبسيط، حيث يقدم المجتمع اليمني بوصفه منشطراً بين حاشد وبكيل، وان السلطة فيه هي لحاشد والمعارضة لبكيل أو انه منقسم بين شمال وجنوب أو انه ينطوي على طوائف واتنيات، وكلها مسائل غير كافية لفهم تعقيدات البلاد ولكنها سائدة في التغطية الإعلامية. والمشكلة الثالثة أن اليمنيين في السلطة والمعارضة يسعون للتحكم في وعي الإعلام الخارجي للأزمة اليمنية، وبالتالي فان التغطية تتأثر في ضخ معلومات خاطئة أو جزئية أو قديمة لهذا او ذاك من الصحافيين، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى تقديم مواد إعلامية للقارىء أو المشاهد العربي غير صحيحة أو جزئية او تهويلية. أما المشكلة الرابعة، فهي ناجمة عن مقارنة واقع اليمن مع البلدان الأخرى، ومقارنة الرئيس اليمني مع الرؤساء الآخرين، وهي مقارنة تصح جزئياً وليس كلياً، فهو يختلف عن مبارك في أنه تولى سلطة لم تكن موجودة في الأصل، وقد أوجدها بنفسه وكان يحكم القصر الرئاسي وحده في السنوات الأولى في صنعاء، وتمكن بعد ذلك من توسيع الحكم إلى صنعاء وحدها، وأمضى فترة الثمانينات في توسيع حكمه ليصل إلى المناطق البعيدة التي مازالت ترفض كل سلطة وبعض العائلات فيها يستخدم العبيد في الخدمة المنزلية حتى اليوم. ومن ثم جاءته فرصة لتوحيد اليمن بعد انهيار لحرب الباردة، ويمارس الحكم بالشراكة مع الجنوبيين حتى العام 1994 ومن ثم مع المعارضة والإخوان المسلمين إلى العام 2000 وما كانت لليمن الذي تسلمه صالح حدود مخططة مع جيرانه، فوقع اتفاقيات مع كل جيرانه وحرر ارخبيل حنيش من الاحتلال الاريتري ثم استخرج النفط وبعض المعادن وذلك للمرة الأولى في تاريخ اليمن.. هذا فضلا عن أشياء أخرى مهمة، ما يعني أن مقارنة صالح بمبارك أو بن علي أو أي رئيس عربي آخر هي مقارنة ظالمة جزئيا على الأقل، وما يصح على صالح يصح أيضا على المعارضة وعلى شيوخ القبائل وعلى المجتمع اليمني الذي ينتمي بأكثريته الساحقة إلى قحطان ولا وجود فيه لأية اتنيات أخرى. خلاصة القول أن الإعلام العربي قدم الصورة التي يعرفها عن اليمن أو تلك التي يريد لها أن تترسخ في ذهن القارىء أو التي يريد اليمنيون في السلطة والمعارضة أن تصل إلى الخارج، ومفادها التشابه بين اليمن وغيره من الدول العربية علما أن الفارق هائل فنحن في لبنان لدينا الجامعة الأمريكية منذ العام 1860 أما الجامعة اليمنية في صنعاء فقد بدأت في العمل عام 1971 وتخرج طلابها في عهد الرئيس صالح الذي جعل فروعها في كل أنحاء بلاده.
*ما هو موقف الحوثين مما يدور في اليمن؟
ـ لن يذرف الحوثيون دموعا على النظام الحالي إذا ما تغير، وهم اصطفوا إلى جانب المعارضة اليمنية وواصلوا الساحة اليمنية.الالتزام باتفاق النقاط الخمس مع السلطة والتي أنهت الحرب السادسة والظن الغالب أنهم ينخرطون أكثر في الحراك السياسي إذا ما تبين لهم أن النظام البديل سيكون أقرب الى عقيدتهم الدينية وهو امر مستبعد في ضوء موازين القوى المعروفة في اليمن.
*هل سيشهد اليمن صراعاً طائفياً او قبلياً؟
ـ لا اعتقد... نحن نعرف أن المجتمع اليمني مسلم وبالتالي لا طوائف غير إسلامية في البلاد ما خلا بضع عشرات من اليهود. ويدين اليمنيون بالمذهب الشافعي والمذهب الزيدي، وهناك تقارب بين المذهبين وفق قاعدة اختارها الزيود وتقول بإمامة الامام المفضول بانتظار ظهور الإمام الأفضل. ولا يوجد في تاريخ اليمن نزاعات طائفية مسلحة على الطريقة اللبنانية وبالتالي من الصعب توقع حرب طائفية بين اليمنيين. أما الحروب القبلية فهي ستكون محدودة وتحت السيطرة كما رأينا قبل أسابيع عندما اندلعت مشكلة بين الشيخ حرس الشيخ حميد الأحمر من حاشد وحرس المحافظ دويد الصنعاني من بكيل، فقد حلت المشكلة بأن قدم الأحمر بنادق مصفاة لدويد بانتظار التحكيم . وأظن أن الأمر سيتم وفق هذا المنهج من بعد. هذا إذا ما تم انتقال السلطة بطريقة مناسبة للجميع أما في حال انهيار النظام والجيش ساعتئذ سيكون اليمن مقراً لحروب أهلية يمنية يمنية من كل نوع وصوب .
*برأيكم من سوف يحكم في الجنوب ومن سوف يحكم في الشمال؟
ـ قد تستغرب أن قلت لك أن الحزب الاشتراكي اليمني دمر كل ما كان يرمز إلى الهوية الشطرية للجنوب اليمني واحتفظ فقط بالايديولوجية الماركسية، وعندما انهارت الكتلة الشرقية انهار المبرر الوحيد لبقاء الجنوب مستقلا عن الشمال. واليوم لا هوية جنوبية حقيقية ولا هوية شمالية أصلا، ما يعني أن تقسيم اليمن إلى جنوب وشمال هو من اثر ماض من الصعب أن يعود، وبالتالي فإن السؤال يصبح من يحكم الأشطار اليمنية شرقا وغربا وجنوبا وشمالا ووسطا إن اندلعت حرب أهلية لا سمح الله ولا جواب عندي عن هذا السؤال
No comments:
Post a Comment