Search This Blog

Sunday, January 12, 2014

AfricanManager:الدولة التونسية على حافة الافلاس

 9-01-2014-19:43: مغالطات في الإعلام ونهب في الشارع وانتهاز سياسي .. والدولة التونسية على حافة الافلاس



 بقلم: عائشة بن محمود
من المهم الإقرار بأن الإعلام أسهم إلى حد كبير في حدوث مغالطات كبيرة بشأن مسألة الضرائب والإتاوات الواردة بقانون المالية للعام 2014 ليختلط الحابل بالنابل وليظهر المتهرّب من الضريبة في صورة الضّحية في وقت أصبحت فيه الدولة مهددة بالإفلاس، فيما تمكنت حركة النهضة وفي الوقت المناسب من الخروج من دوامة الفشل بأخف الأضرار.
وقد انساقت بشدة التقارير الإعلامية وراء مغالطات المتهربين من دفع الضريبة بعد اضطرار الحكومة لاستهداف الفلاحين وأصحاب المهن الصغرى من خلال اصلاحات ضريبية ترقيعية، فيما عجزت عن ملاحقة المتهربين الكبار من دفع الضريبة على غرار الأطباء والتجار ورجال الاعمال ومدققي الحسابات والمحامين وغيرهم.
ووفق التوضيحات التي قدمتها وزارة المالية بعد حصول عمليات تخريب لحقت بمؤسسات الدولة وبالمرافق الخدمية من قباضات مالية وغيرها، فقد تبيّن أن الفلاحين في تونس لا يقومون بالتصريح الجبائي كغيرهم من أصحاب المهن الأخرى عبر ما يعرف بالتعريف الجبائي (الباتيندا)، فيما يتمتعون في المقابل بامتيازات ضريبية مهمة تخول لهم التمتع بعفو ضريبي بنسبة 80% من مجموع الضرائب الموظفة على نشاطهم.
وحسب تحريات صحافية فإنهم يكتفون بالاستظهار ببطاقة انخراطهم باتحاد الفلاحين ليتمتعوا بهذا العفو الضريبي المهم، وهو إجراء غير مراقب مما فتح الباب على مصراعيه لدخلاء للتمتع بهذا الامتياز من دون وجه حق وما يسر لهم أيضا الاستفادة بامتياز تمويل الإيجار المالي، بالاقتصار على الاستظهار ببطاقة انخراط باتحاد الفلاحين فقط!.
سد الطريق
وانطلاقا من هذا الواقع، حاولت الحكومة سد الطريق على هؤلاء بفرض التعريف الجبائي على الفلاحين والاستظهار بهذه الوثيقة للتمتع بالامتياز الضريبي، وهو إجراء يرفضه في واقع الأمر الفلاحون والدخلاء على حد السواء في ظل افتقار البلاد لحس المواطنة الحقيقية ليتم في واقع الحال دفع الضرائب في تونس بدافع الخوف من الملاحقات القانونية وليس من باب المواطنة والانتماء الجماعي للوطن مقابل التمتع بخدمات عمومية ملائمة على غرار ما يتمتع به مواطنو الدول المتقدمة.
هذه الحادثة المعقدة فتحت أيضا الباب على مصراعيه لقطاعات أخرى تُصنف مهن صغرى، رفضت الزيادات الضريبية التي أقرتها حكومة النهضة بعد أصبحت الدولة عاجزة على توفير موارد مالية.
من المفارقات، فإن إقرار هذه الزيادة الضريبية المثيرة للجدل، تم بحضور 124 نائبا فقط في المجلس الوطني التأسيسي من مجموع 217 نائبا وبمصادقة 100 نائب، وهم أساسا من حركة النهضة الحاكمة والموالين لها فيما سجلت المعارضة غيابها بقوة ليقع تمرير هذا القانون بيسر ومن دون عسر.
"دناءة سياسية"
في المقابل، فاجأت النهضة المراقبين أمس ببيانها المندد لهذا القانون رغم مصادقتها عليه وما وصفه البعض بـ "الدناءة" السياسية و"عدم الشرف" لعدم اعترافها بخطأ ارتكبته ومررته بفضل أصوات نواب كتلتها بالتأسيسي، وما اعتبره مراقبون "ضحكا على الذقون".
وبتراجع حكومة العريض المستقيلة اليوم عن قرار الزيادة في الضرائب، فإن الدولة ستدخل في نفق أكثر ظلمة من الفترة السابقة وقد يتم اتخاذ قرارات أشدّ إيلاما من زيادة الضرائب على غرار سياسة التقشف وما يعنيه الأمر من إلغاء وظائف بالمؤسسات العمومية والتوقف عن دفع الأجور وعن تمويل الخدمات العمومية الضرورية للمواطن.
حلول الأقل سوءا
ومما لا جدال فيه، فإن الحكومة المستقيلة ارتأت أسهل الحلول بإقرارها الزيادة في الضريبة، لكن من المهم أيضا الإقرار بأن هذه الحلول هي الأقل سوءا في واقع الأمر خاصة وأن هذه الزيادة لا يزال يقدر على تحملها دافعو الضرائب رغم تكلفتها المثقلة لكاهلهم في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة.
وفي هذا الصدد يقول أحد المراقبين الاقتصاديين إنه يصعب ايجاد حل سريع مع قطاع الأطباء مثلا الذي عجز حتى الوزير الأول الأسبق هادي نويرة في سبعينات القرن الماضي عن التصدي لتهربهم الضريبي لما أظهروه من تضامن قويّ في مواجهتهم لقرارات الدولة، ويذكّر في هذا الشأن "أن هذا الوزير حاول اعتماد طريقة الترقيم على مستوى الوصفة الطبية لتقدير مداخيل الأطباء إلا أنه جوبه برفض شديد من طرفهم، معلقا بالقول "حتى هادي نويرة لم يتمكن من الأطباء في تونس!".
مما لا شك فيه، فأن الأيام القادمة سوف لن تكون أفضل من تلك الماضية وأن الحكومة الجديدة لا تملك حلولا سحرية لإخراج البلاد من نفق مظلم ومن شبح الإفلاس بعد أن تمكنت النهضة وبـ"ضربة معلم" من الخروج من الباب العريض وعن طريق "علي العريض" وبأخف الأضرار، لتلعب ربما دور المنقذ لاحقا فيما ستستمر في الحكم في واقع الأمر ومن خلال الأغلبية التي تتمتع بها بـ"التأسيسي" لتمثل ربما حاجزا أمام أي قرار تتخذه الحكومة الجديدة "المستقلة" التي يتمتع رئيسها الجديد مهدي جمعة بمباركة كل من النهضة وأحزاب المعارضة وفي توافق غير مسبوق بين الطرفين المتصارعين ظاهريا.
في هذه الأثناء تمر تونس بأصعب فتراتها من تضخم مرتفع وانهيار لعملتها وركود لاقتصادها وزيادة قياسية في الفقر والبطالة وعجز على توفير موارد مالية كافية لتسديد أجور الموظفين على المدى المتوسط وتهديدات ارهابية وراءها أطراف "مافياوية" مجهولة الهوية.
وبغض النظر عن هذه الترّهات السياسية والمتاهات العبثية التي انخرطت فيها كل من حركة النهضة وأحزاب المعارضة، فإن "الدولة" الآن في وضع خطير جدا وعلى حافة الإفلاس وبإقرار أمس من وزير المالية المستقيل إلياس الفخفاخ عبر رسائل مشفّرة أرسلها للرأي العام، و"أزمة اليونان" أبرز هذا الرسائل.

No comments: