الصحفي الإيطالي دومينكو كويركو يروي لـ"الشروق" قصة 152 يوم من الاختطاف في سورية:
"صحفي في قناة الجزيرة كان شريكا أساسيا في عملية اختطافي وطلب فدية"
حاوره: نصر الدين بن حديد
2014/01/26
(آخر تحديث: 2014/01/26 على 21:35)
دومينكو
كويركو، من جنس الصحفيين العاشقين للعمل الميداني، يفضل تحصيل المعلومات في
عين المكان، قطع البحر الأبيض المتوسط صحبة شباب تونسيين استقلوا مراكب
الموت لهثا، خلف السراب في الغرب. كذلك تولّى تغطية الثورة في كلّ من تونس
وليبيا، وتابع مسارها في البلدين، أدّى زيارات عديدة إلى سورية وغطى الحرب
الدائرة هناك.
الزيارة الأخيرة تحوّلت إلى
مأساة، حين انقلب رهينة لدى الجهة التي كان مفترضا أن توفّر له الحماية
وأساسًا تساعده في أداء مهامه الصحفيّة، هي 152 يوم وليلة، من الانتظار،
امتزج فيها اليأس بالخيبة، وكذلك بمشهد الدمار، دون أن ننسى ما يحمل كلّ
صحفي داخله من توق للحقيقة، ورغبة في توفير المعلومة.
من هذه التجربة التي امتدت على مدى عدّة أشهر، خرج بندوب لا
يمكن محوها على المستوى الذاتي، لكن كذلك بكتاب (باللغة الايطاليّة) "بلد
الشرّ"، الذي سطر من خلاله الأحداث المجرّدة، وفي الآن كذلك حمل نظرة ذاته
تحليليّة وشاهدة على البعد الإنساني لهذه المأساة، وهذه الكارثة الشاملة.
كيف دخلت إلى سورية؟
دخلت إلى سورية صحبة الجيش السوري الحرّ، الذي كانت لي معه
اتصالات سابقة، جاءوا لملاقاتي في بيروت يوم 6 أفريل 2013، وتجاوزت الحدود
صحبة كتيبة من هذا الجيش في اتجاه مدينة يبرد السوريّة.
هذه المدينة كانت حينها تحت سيطرة الجيش السوري الحرّ؟
كانت حينها كذلك، ولم تعد الآن. بعد ذلك، غادرنا إلى مدينة
قاره بنيّة الالتحاق بضواحي العاصمة دمشق، التي كانت تحت سيطرة الجيش
السوري الحرّ. كانت غايتي التحقيق في عين المكان والإطلاع على الوضع في
العاصمة، لما لمدينة دمشق من بعد رمزي وما تمثّل من رهان ضمن الصراع
الدائر.
هل استطعت الوصول إلى ضواحي العاصمة دمشق؟
المعارك كانت شديدة الضراوة هناك، ممّا حال دون الوصول. حينها
اقترحت قيادة الجيش السوري الحرّ عليّ الالتحاق بمدينة القصير، التي كانت
في تلك الفترة شبه محاصرة من قبل الجيش النظامي ومقاتلي حزب الله، باستثناء
منفذ جبلي شديد الوعورة.
لماذا هذا القرار الذي لا يقلّ خطورة عن زيارة مدينة دمشق؟
كانت غايتي الإطلاع على وجود حزب الله، وكذلك التثبت من تأثير
مقاتليه على موازين القوى العسكريّة، علما وأنّ هذه المدينة تحتلّ مكانة
إستراتيجية شديدة الأهميّة، حيث تقع على الطريق الاستراتيجي بين مدينة حمص
وما تمثله من ثقل في معادلة الصراع، من جهة ولبنان، لذلك تأتي السيطرة على
المدينة من أهمّ محدّدات الحرب في سورية.
تمّ الوصول إلى هذه المدينة بأيّ تاريخ؟
وصلنا يوم 8 من الشهر ذاته، صحبة قافلة إمداد بالمؤن والسلاح،
وقابلت هناك القائد المحلّي للجيش السوري الحرّ، الذي سمح لي بالتجوّل في
المدينة صحبة دليل ينتمي للمكتب الإعلامي للجيش. بدا لي حجم الدّمار الذي
سببه قصف طائرات النظام للمدينة.
الوضع كان كارثيا؟
بالتأكيد، المدينة كانت في حال احتضار تقريبا وشبه محاصرة
بالكامل. طالبت حينها أن ألتحق بمدينة قاره، فكانت الموافقة وتمّ وضع على
ذمّتي شاحنة خفيفة وسائق. غادرنا ثكنة الجيش السوري الحرّ على الساعة
الثامنة ليلا. سرنا دون أضواء خشية نيران الجيش السوري وحزب الله.
إثر مسيرة 10 دقائق، اعترضت طريقنا شاحنتان خفيفتان وقامتا
بإطلاق النار في الهواء، وهرع من فيهما من المسلحين نحونا، وتمّ وضع كيس
على رأس واختطافي.
من كان الخاطفون؟
بعد أن ساروا بي 10 دقائق، توقفنا وتمّ نزع ملابسي بالكامل،
وتمكيني من ملابس أخرى. تعرضت إلى اعتداء بالضرب، وأخبروني أنّهم بوليس
النظام أو بوليس بشار الأسد كما قال أحدهم.
هل كانوا يرتدون بدلا عسكريّة؟
كانت عيوني معصوبة، وكنت في حال خوف شديد، علما وأنّني تلقيت
في السابق تهديدات عبر البريد الالكتروني صادرة عن السفارة السوريّة في
روما.
هل أنت متأكد من المصدر؟
كانت تحمل شعار الدولة السوريّة.
ماذا جرى بعد ذلك؟
بقيت معصوب العينين على مدى يومين اثنين. بعد ذلك كنت على
اتصال بشخص واحد، كان يرتدي سروالا يعود للجيش النظامي. كان بوسعي مشاهدة
الخارج، جبال لبنان أمام ناظري وكنت أستمع إلى القتال الدائر حولنا.
علمت أنّني لم أكن سجينا لدى النظام، حين بدأ القتال يتقدّم
نحونا، واشتداد القصف بالطائرات، وأسمع بوضوح مضادات الطائرات. من المستحيل
قلت لنفسي، أن يقصف النظام مواقع جنوده بهذه الضراوة وهذه الشدّة.
هل تطرقت إلى هذه المسألة مع الحارس؟
كان يصرّ أنّه من بوليس بشّار. غيّر كلامه بتقدّم مقاتلي حزب الله، حين كان المنزل الذي نقيم فيه على بعد 100 متر من جبهة القتال.
قاموا بتغيير مكان اعتقالك؟
أبعدوني مرّة أولى إلى مكان أكثر أمنًا، لكن الطيران واصل قصفه، ممّا دعا إلى تغيير الإقامة عديد المرات كلمّا اقترب القتال.
هل دام هذا الحال طويلا؟
على مدى شهرين، علمًا وأنني شاهدت في أحد أماكن الحجز صناديق ذخيرة، مكتوب علينا أنّها من صناعة روسية وموجهة إلى نظام القذّافي.
هل هذا دليل على دعم النظام القائم في ليبيا حاليا لمن يقاتلون النظام في سورية؟
قطعا، لكن هذا الأمر كان معلوما ومعترفا به من الطرفين.
هل وصل بك الأمر حدّ اليأس التام؟
بالتأكيد، خصوصا، حين عشت مرتين ما يشبه عملية إعدام. الإحساس
بمسدّس في العنق، وإصبع على أهبة الضغط على الزناد، المرء يشعر بأن الزمن
توقف وحياته تمرّ أمامه في لحظات.
هل من أسف على شيء في تلك اللحظة؟
لا يمكنني الحديث عن الأسف، حين كنت على وعي كامل بمخاطر
المهنة ومخاطر الزيارة إلى سورية خصيصا، بل مجرّد إحساس بانتهاء الرحلة، مع
ما يعنيه أن يموت المرء بعيدًا عن أهله وعن عائلته.
خاصّة وأنك دون اتصال بأي فرد من عائلتك؟
من دون أدنى اتصال بالعالم الخارجي. لا أحد سواء من عائلتي أو الصحيفة التي أعمل بها، كان على علم باختطافي.
ماذا كان موقف حرّاسك من هذه المسألة؟
سعيت عديد المرات لإقناعهم أنّني كنت على الدوام من خلال مواقفي وكتاباتي مناصرا بشدّة لثورة الشعب السوري.
ماذا كانت الإجابة؟
أنّ الثورة لم تكن بحالة جيّدة، وأنّها بحاجة أكيدة للمال،
وأنّ إيطاليا، ستدفع الفدية. تعرضت لمعاملة شديدة السوء، وكانوا يطعمونني
فضلات طعامهم، دون حق في الاستحمام.
الحال كان أشدّ سوءا ممّا كان في معسكرات العمل في القولاق الروسي، حين كنت في حاجة لإذن للذهاب إلى بيت الراحة.
الوضع العسكري لم يكن جيّدا بالنسبة لخاطفيك كذلك؟
كارثيّا، ممّا دفع إلى مغادرة المدينة في سعي لكسر الحصار من
خلال قافلة من الشاحنات الصغيرة. كان هناك مقاتلون طبعا، وكذلك الكثير من
المدنيين. جرحى ونساء وأطفال كذلك.
في أيّ حال تركتم مدينة القصير؟
كانت على صورة ستالينغراد في الحرب العالميّة الثانية. صورة طبق الأصل.
كم كان عددكم؟
يتراوح بين 8 و10 آلاف.
هل نجح سعيكم في كسر الحصار؟
الإطباق كان شبه تامّ. تعرضت القافلة إلى قصف كثيف من قبل قوّات النظام، إلى درجة جعلتنا نفضل التقدّم مشيا.
خسائرهم كانت جسيمة؟
جسيمة جدّا. صورة خراب شامل. تناثرت الجثث على جانبي الطريق. كنّا نتقدّم وسط القتال.
كم دام هذا الوضع؟
على مدى يومين. صورة لن تمّحي من ذاكرتي. كمثل النبيّ موسى حين انشقّ البحر أمامه، سرنا وسط عشب تلتهمه النيران من كلّ جانب.
كيف كانت العلاقة مع الخاطفين طوال فترة التيه هذه؟
لم أكف عن القول والإصرار، أنّ حرماني من حاسوبي وهاتفي، يضرّ
بقضيتهم، حين كان بإمكاني لفت انتباه الرأي العام العالمي وخاصة ممارسة
الضغط على نظام دمشق ليقبل بفتح ممر إنساني للمدنيين والجرحى على الأقلّ.
ماذا كان الجواب؟
كنت كمثل الغنيمة التي ستمكنهم من الحصول على فدية، ولم يكن
لهم وعي بأيّ شيء آخر. رفضهم كان قاطعا لفهم ما يمكنهم جنيه من المقالات
التي حرموني من انجازها.
إلى هذه الدرجة؟
لقد ترجيتهم أن يتركوني أرسل إشارة بسيطة إلى عائلتي وإعلام
أهلي فقط أنّني على قيد الحياة. قائد القافلة كان يرفض ساخرًا، متعللا
بغياب التغطية، علمًا أنّ المنطقة كانت ضمن تغطية شبكات الهاتف اللبنانيّة.
لم تتمكّن من إقامة أيّ اتصال بعائلتك؟
أحد المقاتلين الجرحى مكنني من هاتفه الجوّال، فاتصلت بزوجتي،
التي قلت لها "ها أنا" فأجابت سائلة "هل أنت على قيد الحياة؟"، لتنقطع
المكالمة، ربّما لنفاد الرصيد أو لتشويش على الشبكة.
ارتياح كبير بالتأكيد؟
ارتياح كبير جدّا، لكن القائد سارع بمصادرة الهاتف.
رحلة شديدة العسر؟
بقينا على مدى يومين دون طعام أو نوم. البعض لجأ إلى تناول
لبّ ثمار الخوخ غير الناضجة. كانوا يستخرجون اللبّ الذي كان طريّا
ويأكلونه، من دون أن أنسى الخسائر في الأرواح والجرحى الذين كنّا نعالجهم
بما توفّر.
نجحتم في كسر الحصار؟
نجحنا، لكن بأيّ ثمن... اجتمعنا اثر ذلك وانطلقنا نحو مدينة يبرد.
لم تعرف المعاملة السيئة أيّ تحسّن على مدى هذه الرحلة؟
تحسّنت مرّة واحدة، حين تمّ إيداعي لدى جبهة النصرة.
لماذا لجأ الخاطفون إلى ذلك؟
معاملة عادية جدّا في سورية بين فصائل وجماعات تحارب النظام ذاته. كانوا يتبادلون الخدمات ويتعاونون أحيانًا.
في ماذا تمثّل هذا التحسّن في المعاملة من قبل جبهة النصرة؟
تمكنت من الاستحمام، وخصوصا تحصلت على ملابس نظيفة، علمًا أنّني لم أغير ثيابي منذ اختطافي.
هل مثلت هذه المعاملة الإنسانية الفارق الوحيد بين خاطفيك ومقاتلي جبهة النصرة؟
لا وجه للشبه بينهما. لقد تمكنت من الحديث مع الأمير المحلي
لتنظيم جبهة النصرة، الذي أخبرني أنّه يستقبلني من باب إسداء خدمة إلى "أخ
في الدين". كان سوريّا ويتقن جيّدا اللغة الانجليزيّة.
كان يعطيني من الطعام ذاته الذي يتناوله مع مقاتليه. كانت
حياة قاسية، والطعام بسيطا، لكنني كنت أعيش مثل ما يعيشون، كما كنت أشهد
اجتماعاتهم.
يمكنني القول أنّي لم أشعر بأيّ عداوة من قبلهم. الأمير
أخبرني أنّني محظوظ لكوني لست أمريكيا أو بريطانيا، لأنهم يقتلون هذين
الجنسيتين على اعتبارهما من الأعداء.
وعلى المستوى العسكري؟
كانوا أشدّ إصرارًا، وأساسًا أكثر انضباطا. كنت أمام مقاتلين أصحاب عزم وليس قطاع طرق.
تعني بقطاع الطرق مقاتلي الجيش السوري الحرّ؟
بالتأكيد، ودليل ذلك، أنّ العديد من مقاتلي هذا الجيش انسحبوا
منه والتحقوا بجبهة النصرة، ليس من باب القناعة الدينيّة أو السياسيّة
بالضرورة، بل بسبب الانضباط الذي كان يحكم هذه الجماعة.
عالمان على تناقض تام يتعايشان ويتقاسمان الفضاء ذاته؟
لا يربط بينهما ولا يجمعهما سوى مقاتلة عدوّ مشترك. دليل ذلك،
أنّ أمير هذه المجموعة اعترف أمامي في وضوح تامّ، أنّ بعد سقوط نظام بشار،
سيكون دور هؤلاء "الإسلاميين المعتدلين". قال لي بالحرف الواحد: سنتولّى
أمر هؤلاء "المعتدلين".
هل شاهدت أجانب بين صفوف جبهة النصرة؟
شاهدت لبنانيين وفلسطينيين وأفغاني واحد. كان ضخم الجثّة
ويرتدي الزيّ المميز لهذا البلد. افتخر أمامي قائلا بأنّه قتل "رجال جورج
بوش"، دون تقديم إيضاحات. مقاتلون آخرون أخبروني أنّ شقيق هذا الأفغاني هو
الانتحاري الذي فجر سيارة بمقر مخابرات النظام السوري في مدينة حمص.
كم بقيت من يوم لدى مقاتلي جبهة النصرة؟
بقيت 10 أيّام، وعاد بعدها الخاطفون لاسترجاعي، ليقوموا ببيعي.
إلى هذه الدرجة؟
لقد شهدت عملية البيع، تم نقلي إلى شاحنة صغيرة أخرى، مقابل لفافة من الدولارات. العملية تمّت أمام عيني.
ما هو مقدار المبلغ، على الأقل لمعرفة قيمة صحفي في مثل هذه الحالة؟
ليس لي علم، لكن اللفافة كانت من حجم محترم.
صرت "ملكا" لمن؟
على متن الشاحنة الصغيرة، أخبرني "المشترون" أنّه سيتمّ إطلاق
سراحي عن طريق لبنان. وصلنا إلى ثكنة تابعة لكتيبة الفاروق، التي يمكن
تمييزها من شعارها.
من استقبلكم؟
تمكنت من لقاء شخص يدعى محمود، قدّم نفسه على أنّه صحفي من قناة الجزيرة، وكذلك المسؤول الاعلامي لكتيبة الفاروق.
قناة الجزيرة القطريّة، أم قناة أخرى؟
أعني القناة القطريّة. أحسست بفرحة لا توصف عند ملاقاته، لأنّ
لقاء زميل في مثل هذا الوضع، يحمل طمأنينة وحتى الاطمئنان، خصوصا عندما
رأيته حرّا وليس رهينة مثلي.
عمّا دار الحوار بينكما، هو رجل حرّ وأنت رهينة؟
سؤالي الأوّل والأشدّ إلحاحا تعلق بإمكانية إطلاق سراحي، ومتى يتمّ ذلك؟
ماذا كانت إجابته؟
أجاب: أنّ علينا إنجاز عمل قبل ذلك.
أيّ عمل؟
لاحظت أوّلا أنّ لوحتي الرقمية كانت بحوزته، وكذلك هاتفي الجوّال. الأهمّ أنّه كان يتحدّث باسم المختطفين.
أنت تثير نقطة على قدر كبير من
الخطورة، زميل يشتغل في قناة شهيرة جدا، قناة الجزيرة، هو "شريك" أو طرف
أساسي في عملية اختطاف وطلب فدية؟ أنت تمسّ مسألة ذات بعد قانوني وأخلاقي
وأساسًا تهمّ أخلاقيات الممارسة الصحفيّة؟
أؤكّد ما قلت وأنا على يقين ممّا أقول، هذه الحكاية بتفاصيلها
رويتها ضمن الكتاب الذي نشرته. كان الصحفي يتحدّث نيابة عن المختطفين، كما
تبنّى اختطاف صحفيّة أوكرانية ومهندسا إيطاليا. تحدّث بكل وضوح ودون
مواربة. لم يكن يخفي حقيقته أو يتخفّى.
ماذا كان قراره؟
مكنني من هاتفي وتمكنت من محادثة زوجتي وكذلك ابنتي.
عمّا تحدثت مع عائلتك؟
فقط تمكنت من طمأنتهم دون تقديم التفاصيل عن أي شيء.
نعود إلى العمل الذي تحدّث عنه صحفي الجزيرة، ماذا كان نوعه؟
كان يعني الاتصال بالحكومة الإيطاليّة. الأمر الذي يتطلّب شهرًا لإنجاز الصفقة التي ستنتهي بإطلاق سراحي حسب قوله.
هل أنت متأكد من أنه كان إلى جانب المختطفين. ربّما كان هو الآخر ضحيّة مثلك؟
شاهدته مرّة عائدا بكيس من البلاستيك (المستعمل في جمع
الفضلات)، مليئا بالدولارات، وشرع بالعدّ. سألته إن كان يعمل ببنك، فأجاب
أنّه شديد الثراء. أيضا كان يحمل بغضا شديدًا لحزب الله، وإلى مقاتليه على
وجه الخصوص. كره يشوبه خوف شديد.
هل بدأتم بالعمل، حسب قوله؟
تمّ نقلي إلى إدلب، تحت حماية مجموعة من مقاتلي كتيبة
الفاروق، في قاعدة جويّة كانت للجيش النظامي. لي معرفة دقيقة بالمنطقة، حيث
كنت فيها قبل شهرين. وجب القول أنّ قائد المجموعة من المقاتلين المخضرمين
وكان الناس يحترمونه وكذلك يخافونه. يقال أنه من أبطال معركة حمص.
كيف كانت إقامتك في هذا المكان؟
تمّ حبسي في ريف قريب من المدينة، في منزل صغير تحت حراسة
عنصرين مسلحين. كنت ألقى معاملة سيئة وأتناول فضلات الطعام، ولم أكن أتمتع
بأي من وسائل الحياة.
لم تجر أيّ اتصال بعائلتك أو بأيّ جهة حكوميّة ايطاليّة؟
طلب منّي أن أخاطب عنصرا من الاستخبارات الإيطالية عبر الهاتف لأثبت له أنّني على قيد الحياة.
طلب منّي العنصران من الجيش السوري الحرّ التحدّث بالانجليزية
فقط، ولم يكونا على دراية بهذه اللغة، لذلك قام بجلب صاحب صيدلية قريبة
ليتولّى المراقبة. تحدثت بالإيطالية إلى الضابط الإيطالي، فتمّ قطع
المكالمة سريعا. تمكنت فقط من التقاط الجملة التالية: شرعنا في المفاوضات.
كيف كان ردّ الحارسين؟
نلت معاملة سيّئة كالعادة، لكن شرعوا في إطلاق الوعود بإطلاق
سراحي، وبأنّ الأمر سيكون بعد يومين أو ثلاثة في كل مرّة. هذا الأمر يدمّر
المعنويات، ويحطم الحالة النفسيّة.
حياة قاتمة في انتظار إطلاق سراح قد يأتي ربّما؟
ليس إلى هذه الدرجة. أسبوعان قبل إطلاق سراحي، تمّ حملي ضمن
قافلة قطعت الصحراء، أعتقد نحو مدينة قريبة من دير الزور. بقينا هناك 3
أيّام، وبعدها قطعنا الطريق في الاتجاه المعاكس مع تفادي ثكنات الجيش
النظامي.
ما هي دواعي هذه العمليّة؟
لست أدري وليس بمقدوري تقديم أيّ تفسير.
هل حاولت الفرار على مدى 152 يوم من الحجز؟
عدنا من هذه الرحلة نحو مدينة باب الهوى، أين حاولت الفرار.
كان من عادة الحارسين تنظيف غرفتهما وكان يقومان بنقل جميع الأثاث
والموجودات إلى غرفتي. لاحظت مرّة قنبلتين يدويتين، قمت بإخفائهما.
فكرت برمي الحارسين بالقنبلتين، لكن لم أكن على دراية بالفترة
الفاصلة بين نزع الصاعق ولحظة الانفجار، لذلك لم أشأ المغامرة، لكن شاهدت
بندقيتي كلاشينكوف فحملت إحداهما وركضت نحو الحدود التركيّة التي لم تكن
سوى على 5 كيلومترات. دهشتي كانت شديدة عندما وجدت حقلا من الألغام يفصل
البلدين.
فكرت حينها أن أتّصل بقيادة الجيش السوري الحرّ الذي تربطني
بمسؤوليه علاقات وطيدة وقديمة، ليقيني أنّ القيادة ليست على علم ولا يمكن
أن تكون موافقة على عملية احتجازي.
هل استطعت الوصول إلى هؤلاء المسؤولين؟
لم أستطع، بل تمكن الحارسان من إلقاء القبض عليّ.
كانت خيبة أمل قوية؟
كانت كذلك، لكن بعد أسبوعين من الحادث، تمكنت، بطلب من
الحارسين من خلال هاتفي المرتبط بالأقمار الصناعيّة الاتصال بضابط
الاستخبارات الإيطالي، الذي أكّد لي أنّه تمّ تسوية المسألة، وأنّ إطلاق
سراحي سيكون في الليلة ذاتها أو من الغد.
No comments:
Post a Comment