الأحداث في تونس تسترعي إهتمام الجزائر
تونس على حدود الجزائر ..الفعل والفاعل .. والمفعول به؟
نصر الدين بن حديد
2013/12/30
(آ)
الناظر إلى
تونس (على مدى سنة 2013 مثلا)، يتوقف عند محطات هزّت هذه البلاد، محطّات
أشبه ما تكون "صعقات كهربائيّة" جعلت البلاد ليس فقط تهتزّ وتنتفض ـ بل هنا
السؤال ـ تغيّر مسارها، بدءا باغتيال القيادي في جبهة الإنقاذ "شكري
بلعيد" يوم 6 فيفري، وما عقب الأمر من أزمة حكومية انتهت أو أفضت إلى سقوط
حكومة حمّادي الجبالي، وأيضا اغتيال القيادي في التيّار الشعبي والنائب
بالمجلس التأسيسي "محمّد البراهمي" يوم 25 جويلية (ذكرى إعلان الجمهوريّة)
وما أفرز الأمر من "حراك سياسي" ترجمه ما يعرف في تونس تحت تسمية "الحوار
الوطني"، يقوده رباعي مكوّن من اتحاد الشغل واتحاد الأعراف وعمادة المحامين
والرابطة التونسيّة لحقوق الإنسان.
من ذلك يمكن الجزم بل اليقين أنّ التغيرات الكبرى في تونس لم تكن ولم تأت بفعل ما يمكن أن نراه "تحوّلا طبيعيّا" بل "منطقيا ومتدرّجا في الفعل السياسي"، كما يفترض الأمر داخل أيّ "ديمقراطيّة ناشئة"، بل بفعل هذه "الصعقات" (الكبرى) التي تتخذ في تونس تسمية "الإرهاب" دون أن يتحدّد "الفاعل الحقيقي" أو "صاحب المصلحة" (الفعليّة والمباشرة من وراء هذه الاغتيالات)، ممّا يجعل "الإرهاب" (أو أيّ فعل يدخل ضمن هذه الخانة من باب التوصيف أساسًا) طرفا مباشرًا في الجدليّة السياسيّة القائمة، وليس (كما هو حال الإرهاب عبر التاريخ وعبر العالم) نقيض المنظومة برمتّها، "ميزة" تنفرد بها تونس، حين يتكلّم "الإرهاب" حين تسكت السياسة، ويسكت الإرهاب حين تتكلّم السياسة، حين أشارت عديد الجهات في تونس إلى "توزيع الأدوار" هذا!!!
كذلك لا يجب أن تغفل عملية ذبح الجنود في جبل الشعانبي، وأيضا عديد الألغام الأرضيّة التي أودت بحياة عديد الجنود والضباط بعين المكان، أو اغتيال عنصرين من الحرس الوطني في قبلاط أو عناصر من الأمن في سيدي علي بن عون.
كلّ هذه "الأحداث"، سواء اغتيال القياديين السياسيين أو الجنود والعناصر الأمنيّة، تجتمع عند نقطة واحدة: بقاؤها "لغزًا" محيّرًا ودون ما يطلبه العمق التونسي (وكلّ الجهات المتأثرة بهذا الوضع) من إجابات شافية عن أسئلة حارقة، لا تزال تثير الكثير من الشكوك، وكذلك من الريبة، سواء بخصوص "الجهة" التي تقف فعلا سواء وراء التنفيذ أو الإعداد أو التخطيط أو من أعطى الأوامر، وكذلك من"المستفيد" من هذا"الإبطاء"، دون أن ننسى حديث (في تونس من قبل الصحفي رمزي بالطيبي مثلا)، عن "تقصير مقصود ومتعمّد".
الناظر إلى تونس من الجزائر (سواء كان مراقبا سياسيا أو جزءا من العقل السياسي/الأمني) يلاحظ دون أدنى حاجة للتعمّق الشديد، أنّ الفعل والممارسة في تونس ـ على المستوى "السياسي" ـ في تراوح حقيقي، بين "حسن النوايا" (المعلنة) و"قلّة الخطوات" (المنجزة)، أساسًا على مستوى المسار السياسي القائم (أيّ ما يسمّى"الحوار الوطني") وكذلك عجز أيّ جهة سياسيّة كانت في تونس (سواء داخل السلطة أو خارجها) عن التكهّن بمنتهى هذا المسار أو كذلك "ضمان" حدود لا يتجاوزها "الجدل السياسي" القائم في هذه البلاد، ليس فقط ضمانًا لما هي "مصالح" هذا الطرف أو ذاك، بل أساسًا من باب "ضمان" عدم خروج "اللعبة السياسيّة برمتها" عن "الخطوط الحمراء"، مع يقين (معلن) ـ في تونس كما في الجزائر ـ أنّ مدخل "الاستقرار" (ضمن المعنى الواسع للكلمة) يأتي ويتأسس على سلطة سياسية مستقرّة وثابتة.
السؤال في تونس (أو عن تونس) أشبه بسؤال السفسطائيين (لدى الإغريق) عمّن سبقت إلى الوجود: البيضة أم الدجاجة، أيّ هل يجب تأمين استقرار أمني وعسكري لبلوغ حلّ سياسيّ ضامن لمطالب العمق الشعبي الذي خرج يوم 17 ديسمبر 2010، وكذلك ضمان ما هي القواعد المؤسّسة للدولة العصريّة والديمقراطيّة؟ أم التأسيس لحل سياسي، يقود حكومة تكون المؤّسس بدورها لمنظومة أمنيّة وعسكريّة تبني الاستقرار والأمن؟
السؤال في تونس (أو عن تونس) يتجاوز البُعد الفلسفي (الإغريقي) ليذهب إلى أمرين على قدر كبير من الأهميّة (من منظور جزائري على الأقلّ): ضرورة أن يتمّ "الانتقال الديمقراطي" في تونس دون المساس بما هو"الأمن القومي الجزائري"، وكذلك ضرورة "التأسيس لقاعدة حكم مستقرّة وثابتة" تقطع مع "التخبط" السياسي/الأمني القائم حاليا في تونس، بما يضمن "الاطمئنان الكامل والمطلق" بين البلدين.
من الثابت والأكيد، أنّ تونس تعيش تخبطا سياسيا وأمنيا وغياب وحدة التفكير والتحليل والقرار داخل المنظومتين السياسية والأمنيّة، وكذلك (وهذا الأخطر) وجود صراعات بين الأقطاب (الماسكة بالقرارين السياسي والأمني) تجعل "العراك" بين هذه "الأطراف" سواء داخل السلطة (أو بشأنها) يأخذ بعدًا "مضرّا" (أحيانًا) بما يسمّى في لغة الدبلوماسيّة "المصالح المشتركة للبلدين"، وثانيا ـ وهذا الأخطر ـ وجود تونس (البلاد والسياسة) على تقاطع مصالح "دول أخرى"، لا يمكنها أن تنظر إلى كل من الاستقرار في تونس أو في الجزائر أو بينهما، سوى من زاوية "مصلحتها المباشرة"، وثالثا تقاطع مصالح عديد الجهات "أجنبيّة/الخارجية" مع جهات "تونسيّة/داخليّة"، ممّا يجعل الفرز السياسي/الأمني في تونس يتمّ (أحيانًا عديدة) على أساس "المصلحة" (الآنيّة) و"التحصيل" (المباشر) وليس "الانتماء" (مهما كان الاختلاف بخصوص هذه الكلمة أو معناها).
من ذلك، يصعب في تونس راهنًا الحديث عن أمرين شديدي الأهميّة:
ـ وحدة قرار سياسي، عسكري، أمني" قادر على التحدث بلغة الجزم والتأكيد وضمان الوعود المقطوعة.
ـ قدرة أيّ قرار سياسي، عسكري، أمني على ضمان "وجوده" ضمن الخارطة في تونس التي تراوح بين منطقة "زلازل معلنة" و"رمال متحركة خفيّة".
هذا الواقع يدفع العقل السياسي، الأمني في الجزائر إلى التركيز على أمرين هما كذلك شديدي الأهمّية:
ـ اعتماد منظور أمني، عسكري ثابت بل مباشر (ضمن المعنى الدقيق) للوضع القائم والمتحرك، في الاتكال فقط على"القدرة الذاتية" حين انخفضت قدرة الأجهزة الأمنيّة في تونس على مواجهة "الإرهاب" (بحكم التحولات القائمة في البلاد أو بفعل صراع المواقع داخلها) وكذلك عدم حيازة الجيش التونسي على ما يكفي من التجهيزات، وكذلك من التجربة (حين جعله بن علي بمنأى عن هذه المهمّة)، ممّا يجعل من هذا الطرف أو ذاك في عجز كامل على أن يكون (أو يتحوّل إلى) ذاك "الظهر القويّ" الذي تستند إليه الجزائر.
ـ سعي الجزائر لتأمين "مستقبلها" (في علاقة مع الوضع في تونس أو الحدود بين البلدين) في تجاوز للمنطق "التونسي الداخلي"، حين ثبت لدى المتابعين العاديين (قبل الخبراء في المسائل الأمنيّة الدقيقة) حجم التدخل "الأجنبي" في تونس، وكذلك (وهذا الأخطر بالنسبة للطرف الجزائري) مدى ترابط "بعض الجهات" في الداخل التونسي، مع "بعض الجهات" من خارج البلاد، ممّا ينقل معادلة "الحدود بين البلدين" من بعدها الثنائي حقيقة، إلى معادلة "إقليمية" أوسع، بل "دوليّة" شديدة التعقيد.
من ذلك يمكن الجزم بل اليقين أنّ التغيرات الكبرى في تونس لم تكن ولم تأت بفعل ما يمكن أن نراه "تحوّلا طبيعيّا" بل "منطقيا ومتدرّجا في الفعل السياسي"، كما يفترض الأمر داخل أيّ "ديمقراطيّة ناشئة"، بل بفعل هذه "الصعقات" (الكبرى) التي تتخذ في تونس تسمية "الإرهاب" دون أن يتحدّد "الفاعل الحقيقي" أو "صاحب المصلحة" (الفعليّة والمباشرة من وراء هذه الاغتيالات)، ممّا يجعل "الإرهاب" (أو أيّ فعل يدخل ضمن هذه الخانة من باب التوصيف أساسًا) طرفا مباشرًا في الجدليّة السياسيّة القائمة، وليس (كما هو حال الإرهاب عبر التاريخ وعبر العالم) نقيض المنظومة برمتّها، "ميزة" تنفرد بها تونس، حين يتكلّم "الإرهاب" حين تسكت السياسة، ويسكت الإرهاب حين تتكلّم السياسة، حين أشارت عديد الجهات في تونس إلى "توزيع الأدوار" هذا!!!
كذلك لا يجب أن تغفل عملية ذبح الجنود في جبل الشعانبي، وأيضا عديد الألغام الأرضيّة التي أودت بحياة عديد الجنود والضباط بعين المكان، أو اغتيال عنصرين من الحرس الوطني في قبلاط أو عناصر من الأمن في سيدي علي بن عون.
كلّ هذه "الأحداث"، سواء اغتيال القياديين السياسيين أو الجنود والعناصر الأمنيّة، تجتمع عند نقطة واحدة: بقاؤها "لغزًا" محيّرًا ودون ما يطلبه العمق التونسي (وكلّ الجهات المتأثرة بهذا الوضع) من إجابات شافية عن أسئلة حارقة، لا تزال تثير الكثير من الشكوك، وكذلك من الريبة، سواء بخصوص "الجهة" التي تقف فعلا سواء وراء التنفيذ أو الإعداد أو التخطيط أو من أعطى الأوامر، وكذلك من"المستفيد" من هذا"الإبطاء"، دون أن ننسى حديث (في تونس من قبل الصحفي رمزي بالطيبي مثلا)، عن "تقصير مقصود ومتعمّد".
الناظر إلى تونس من الجزائر (سواء كان مراقبا سياسيا أو جزءا من العقل السياسي/الأمني) يلاحظ دون أدنى حاجة للتعمّق الشديد، أنّ الفعل والممارسة في تونس ـ على المستوى "السياسي" ـ في تراوح حقيقي، بين "حسن النوايا" (المعلنة) و"قلّة الخطوات" (المنجزة)، أساسًا على مستوى المسار السياسي القائم (أيّ ما يسمّى"الحوار الوطني") وكذلك عجز أيّ جهة سياسيّة كانت في تونس (سواء داخل السلطة أو خارجها) عن التكهّن بمنتهى هذا المسار أو كذلك "ضمان" حدود لا يتجاوزها "الجدل السياسي" القائم في هذه البلاد، ليس فقط ضمانًا لما هي "مصالح" هذا الطرف أو ذاك، بل أساسًا من باب "ضمان" عدم خروج "اللعبة السياسيّة برمتها" عن "الخطوط الحمراء"، مع يقين (معلن) ـ في تونس كما في الجزائر ـ أنّ مدخل "الاستقرار" (ضمن المعنى الواسع للكلمة) يأتي ويتأسس على سلطة سياسية مستقرّة وثابتة.
السؤال في تونس (أو عن تونس) أشبه بسؤال السفسطائيين (لدى الإغريق) عمّن سبقت إلى الوجود: البيضة أم الدجاجة، أيّ هل يجب تأمين استقرار أمني وعسكري لبلوغ حلّ سياسيّ ضامن لمطالب العمق الشعبي الذي خرج يوم 17 ديسمبر 2010، وكذلك ضمان ما هي القواعد المؤسّسة للدولة العصريّة والديمقراطيّة؟ أم التأسيس لحل سياسي، يقود حكومة تكون المؤّسس بدورها لمنظومة أمنيّة وعسكريّة تبني الاستقرار والأمن؟
السؤال في تونس (أو عن تونس) يتجاوز البُعد الفلسفي (الإغريقي) ليذهب إلى أمرين على قدر كبير من الأهميّة (من منظور جزائري على الأقلّ): ضرورة أن يتمّ "الانتقال الديمقراطي" في تونس دون المساس بما هو"الأمن القومي الجزائري"، وكذلك ضرورة "التأسيس لقاعدة حكم مستقرّة وثابتة" تقطع مع "التخبط" السياسي/الأمني القائم حاليا في تونس، بما يضمن "الاطمئنان الكامل والمطلق" بين البلدين.
من الثابت والأكيد، أنّ تونس تعيش تخبطا سياسيا وأمنيا وغياب وحدة التفكير والتحليل والقرار داخل المنظومتين السياسية والأمنيّة، وكذلك (وهذا الأخطر) وجود صراعات بين الأقطاب (الماسكة بالقرارين السياسي والأمني) تجعل "العراك" بين هذه "الأطراف" سواء داخل السلطة (أو بشأنها) يأخذ بعدًا "مضرّا" (أحيانًا) بما يسمّى في لغة الدبلوماسيّة "المصالح المشتركة للبلدين"، وثانيا ـ وهذا الأخطر ـ وجود تونس (البلاد والسياسة) على تقاطع مصالح "دول أخرى"، لا يمكنها أن تنظر إلى كل من الاستقرار في تونس أو في الجزائر أو بينهما، سوى من زاوية "مصلحتها المباشرة"، وثالثا تقاطع مصالح عديد الجهات "أجنبيّة/الخارجية" مع جهات "تونسيّة/داخليّة"، ممّا يجعل الفرز السياسي/الأمني في تونس يتمّ (أحيانًا عديدة) على أساس "المصلحة" (الآنيّة) و"التحصيل" (المباشر) وليس "الانتماء" (مهما كان الاختلاف بخصوص هذه الكلمة أو معناها).
من ذلك، يصعب في تونس راهنًا الحديث عن أمرين شديدي الأهميّة:
ـ وحدة قرار سياسي، عسكري، أمني" قادر على التحدث بلغة الجزم والتأكيد وضمان الوعود المقطوعة.
ـ قدرة أيّ قرار سياسي، عسكري، أمني على ضمان "وجوده" ضمن الخارطة في تونس التي تراوح بين منطقة "زلازل معلنة" و"رمال متحركة خفيّة".
هذا الواقع يدفع العقل السياسي، الأمني في الجزائر إلى التركيز على أمرين هما كذلك شديدي الأهمّية:
ـ اعتماد منظور أمني، عسكري ثابت بل مباشر (ضمن المعنى الدقيق) للوضع القائم والمتحرك، في الاتكال فقط على"القدرة الذاتية" حين انخفضت قدرة الأجهزة الأمنيّة في تونس على مواجهة "الإرهاب" (بحكم التحولات القائمة في البلاد أو بفعل صراع المواقع داخلها) وكذلك عدم حيازة الجيش التونسي على ما يكفي من التجهيزات، وكذلك من التجربة (حين جعله بن علي بمنأى عن هذه المهمّة)، ممّا يجعل من هذا الطرف أو ذاك في عجز كامل على أن يكون (أو يتحوّل إلى) ذاك "الظهر القويّ" الذي تستند إليه الجزائر.
ـ سعي الجزائر لتأمين "مستقبلها" (في علاقة مع الوضع في تونس أو الحدود بين البلدين) في تجاوز للمنطق "التونسي الداخلي"، حين ثبت لدى المتابعين العاديين (قبل الخبراء في المسائل الأمنيّة الدقيقة) حجم التدخل "الأجنبي" في تونس، وكذلك (وهذا الأخطر بالنسبة للطرف الجزائري) مدى ترابط "بعض الجهات" في الداخل التونسي، مع "بعض الجهات" من خارج البلاد، ممّا ينقل معادلة "الحدود بين البلدين" من بعدها الثنائي حقيقة، إلى معادلة "إقليمية" أوسع، بل "دوليّة" شديدة التعقيد.
No comments:
Post a Comment