أسئلة
عدة تطرحها موريال ميراك فايسباخ وجمال واكيم في «السياسة الخارجيّة
التركيّة تجاه القوى العظمى والبلاد العربية منذ العام 2002» (شركة
المطبوعات للتوزيع والنشر): إلى أين تتجه تركيا؟ هل ستظلّ تعيش ازدواجية
أوروبا والإسلام؟ وماذا عن سياستها تجاه المنطقة التي تحرّكها أحلام
استعادة النفوذ العثماني؟
ريتا فرج
في «السياسة الخارجيّة التركيّة تجاه القوى العظمى والبلاد العربية منذ العام 2002» (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ـ 2014) يعمل الباحثان الأميركية موريال ميراك فايسباخ واللبناني جمال واكيم على مقاربة التحولات التي شهدتها تركيا مع وصول الإسلام السياسي إلى الحكم ضمن مجال جيواستراتيجي مضطرب، محاولين الإحاطة بالمتغيرات المواكبة لها في ظل الحراك العربي. شكلت العلمانية الأتاتوركية الصلبة مادة مهمة باعتبارها قطيعة مع الماضي. يدرس الباحثان مؤثرات هذا التحديث في المجتمع التركي، ويتناولان صعود الأحزاب الإسلامية ذات التوجه السياسي، بدءاً من الثمانينيات والصدام بين نجم الدين أربكان، أبي الإسلام السياسي التركي، والمؤسسة العسكرية. يضعنا المؤلفان في الظروف التاريخية والمجتمعية لنشوء «حزب العدالة والتنمية». على نقيض نظرائهم العرب، لم يفد الإسلاميون الجدد من بيئات ريفية، بل ساعدت البورجوازية الناشئة في المدن على تشكيل هويتهم.
يعتبر أحمد داوود أوغلو المنظر الأبرز للسياسة الخارجية التركية. طغى عاملان على العلاقات التركية الأميركية: الحرب الباردة التي وطّدت الروابط بين أنقرة وواشنطن على خلفية العدو الشيوعي المشترك؛ ونهج إدارة البيت الأبيض تجاه «حزب العدالة والتنمية» التي فرضته ثلاثة ملفات: نمو قدرة إيران الإقليمية، ومحاولة احتواء النظام السوري، والعمل على تسوية القضية الفلسطينية عبر كسب «حماس». منذ تربعه على السلطة، سعى «العدالة والتنمية» إلى استعادة أمجاد العثمانية وتحسين علاقاته مع الدول العربية. عالج الباحثان العلاقات التركية المصرية قبل «ثورة 25 يناير» وبعدها. مع وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في ربيعهم المباغت، توطدت الروابط إلى أن بلغت حدها الأدنى إثر المواقف التركية من سقوط نظام محمد مرسي. يبحث الكاتبان في علاقة تركيا مع إسرائيل بين 1949 و2009. ثمة ملامح مشتركة بين أنقرة وتل أبيب حتمت هذه الاستمرارية، أولها أنّ الدولتين تُعَدّان نظامين ديموقراطيين وجزءاً من الغرب رغم وجودهما في الشرق الأوسط، وثانيهما هو الشعور بالعزلة الجوارية، إسرائيل لأسباب سياسية وتاريخية مرتبطة بالصراع مع العرب، وتركيا بسبب عضويتها في «الناتو» وسعيها الحثيث للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
تحت عنوان «سورية ميدان الصراع الجيوسياسي»، تعقب الباحثان علاقة أنقرة مع دمشق التي طغى عليها الفتور في حقبة الأسد الأب، إلى أن تحسن المناخ بين الدولتين مع صعود نجم «حزب العدالة والتنمية» الذي ترجم عبر زيارة الأسد الابن لتركيا عام 2007 بوصفها الزيارة الأولى لرئيس سوري منذ انهيار الدولة العثمانية. تطور التبادل الاقتصادي والتعاون السياسي ثم باغته المحرك الاحتجاجي السوري، فطالبت حكومة أردوغان النظام السوري بالإصلاح، ووصلت لاحقاً إلى دعوة مجلس الأمن الدولي إلى توجيه ضربة عسكرية. طهران الحليف الاستراتيجي لسوريا لطالما أقلق نفوذها الإقليمي الأتراك. لا يكتفي الباحثان في رسم ملامح الأبعاد التاريخية لهذه العلاقات على خلفية الصراع العثماني الصفوي. جذبت الثورة الإسلامية (1979) الإسلاميين الأتراك الذين حاولوا تدشين أرضية مشتركة مع إسلاميي إيران تجلت في زيارة أربكان عام 1996، وتواصلت مع تكريس «حزب العدالة والتنمية» للتعاون الاقتصادي والتوافق بين البلدين في قضايا مشتركة، كمكافحة المجموعات المسلحة الكردية والجهود الدبلوماسية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والقضية الفلسطينية. التقدم الملحوظ لهذه العلاقات أوقفه المتغير الاحتجاجي السوري، لكن مع عدم وجود قطيعة كاملة بين الطرفين. ويخلص المؤلفان إلى أن العلاقات التركية السعودية يسيطر عليها معيار التوافق الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وتحديداً ما يرتبط بالأزمة السورية، ومحاولة بناء تحالف سُنّي ضد إيران، ما قد يدفع أنقرة والرياض إلى التقارب وحتى التحالف مع إسرائيل.
تركيا الأردوغانية التي اعتمدت تصفير المشكلات مع محيطها، ورّطها تدخلها الفجّ في شؤون الجوار في امتحان صعب. غير أنّ «العدالة والتنمية» الذي تجرّع الكأس المرة لم يقف عند الصاعق الإقليمي؛ إذ يواجه قضايا داخلية عدة تفجرت مع احتجاجات ساحة «تقسيم» وارتفاع الأصوات المعارضة ضد الحرب الخفية على الإرث العلماني عبر سياسات الأسلمة الناعمة. النتيجة أنّ النجاحات التي حققها الإسلاميون اقتصادياً وسياسياً في موازاة نزعة السيطرة على مؤسسات الدولة والتخبط الداخلي والإقليمي، تشي باحتمال تراجع «الأنموذج التركي» الذي أشاد به كثيرون.
في «السياسة الخارجيّة التركيّة تجاه القوى العظمى والبلاد العربية منذ العام 2002» (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ـ 2014) يعمل الباحثان الأميركية موريال ميراك فايسباخ واللبناني جمال واكيم على مقاربة التحولات التي شهدتها تركيا مع وصول الإسلام السياسي إلى الحكم ضمن مجال جيواستراتيجي مضطرب، محاولين الإحاطة بالمتغيرات المواكبة لها في ظل الحراك العربي. شكلت العلمانية الأتاتوركية الصلبة مادة مهمة باعتبارها قطيعة مع الماضي. يدرس الباحثان مؤثرات هذا التحديث في المجتمع التركي، ويتناولان صعود الأحزاب الإسلامية ذات التوجه السياسي، بدءاً من الثمانينيات والصدام بين نجم الدين أربكان، أبي الإسلام السياسي التركي، والمؤسسة العسكرية. يضعنا المؤلفان في الظروف التاريخية والمجتمعية لنشوء «حزب العدالة والتنمية». على نقيض نظرائهم العرب، لم يفد الإسلاميون الجدد من بيئات ريفية، بل ساعدت البورجوازية الناشئة في المدن على تشكيل هويتهم.
يعتبر أحمد داوود أوغلو المنظر الأبرز للسياسة الخارجية التركية. طغى عاملان على العلاقات التركية الأميركية: الحرب الباردة التي وطّدت الروابط بين أنقرة وواشنطن على خلفية العدو الشيوعي المشترك؛ ونهج إدارة البيت الأبيض تجاه «حزب العدالة والتنمية» التي فرضته ثلاثة ملفات: نمو قدرة إيران الإقليمية، ومحاولة احتواء النظام السوري، والعمل على تسوية القضية الفلسطينية عبر كسب «حماس». منذ تربعه على السلطة، سعى «العدالة والتنمية» إلى استعادة أمجاد العثمانية وتحسين علاقاته مع الدول العربية. عالج الباحثان العلاقات التركية المصرية قبل «ثورة 25 يناير» وبعدها. مع وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في ربيعهم المباغت، توطدت الروابط إلى أن بلغت حدها الأدنى إثر المواقف التركية من سقوط نظام محمد مرسي. يبحث الكاتبان في علاقة تركيا مع إسرائيل بين 1949 و2009. ثمة ملامح مشتركة بين أنقرة وتل أبيب حتمت هذه الاستمرارية، أولها أنّ الدولتين تُعَدّان نظامين ديموقراطيين وجزءاً من الغرب رغم وجودهما في الشرق الأوسط، وثانيهما هو الشعور بالعزلة الجوارية، إسرائيل لأسباب سياسية وتاريخية مرتبطة بالصراع مع العرب، وتركيا بسبب عضويتها في «الناتو» وسعيها الحثيث للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
تحت عنوان «سورية ميدان الصراع الجيوسياسي»، تعقب الباحثان علاقة أنقرة مع دمشق التي طغى عليها الفتور في حقبة الأسد الأب، إلى أن تحسن المناخ بين الدولتين مع صعود نجم «حزب العدالة والتنمية» الذي ترجم عبر زيارة الأسد الابن لتركيا عام 2007 بوصفها الزيارة الأولى لرئيس سوري منذ انهيار الدولة العثمانية. تطور التبادل الاقتصادي والتعاون السياسي ثم باغته المحرك الاحتجاجي السوري، فطالبت حكومة أردوغان النظام السوري بالإصلاح، ووصلت لاحقاً إلى دعوة مجلس الأمن الدولي إلى توجيه ضربة عسكرية. طهران الحليف الاستراتيجي لسوريا لطالما أقلق نفوذها الإقليمي الأتراك. لا يكتفي الباحثان في رسم ملامح الأبعاد التاريخية لهذه العلاقات على خلفية الصراع العثماني الصفوي. جذبت الثورة الإسلامية (1979) الإسلاميين الأتراك الذين حاولوا تدشين أرضية مشتركة مع إسلاميي إيران تجلت في زيارة أربكان عام 1996، وتواصلت مع تكريس «حزب العدالة والتنمية» للتعاون الاقتصادي والتوافق بين البلدين في قضايا مشتركة، كمكافحة المجموعات المسلحة الكردية والجهود الدبلوماسية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والقضية الفلسطينية. التقدم الملحوظ لهذه العلاقات أوقفه المتغير الاحتجاجي السوري، لكن مع عدم وجود قطيعة كاملة بين الطرفين. ويخلص المؤلفان إلى أن العلاقات التركية السعودية يسيطر عليها معيار التوافق الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وتحديداً ما يرتبط بالأزمة السورية، ومحاولة بناء تحالف سُنّي ضد إيران، ما قد يدفع أنقرة والرياض إلى التقارب وحتى التحالف مع إسرائيل.
تركيا الأردوغانية التي اعتمدت تصفير المشكلات مع محيطها، ورّطها تدخلها الفجّ في شؤون الجوار في امتحان صعب. غير أنّ «العدالة والتنمية» الذي تجرّع الكأس المرة لم يقف عند الصاعق الإقليمي؛ إذ يواجه قضايا داخلية عدة تفجرت مع احتجاجات ساحة «تقسيم» وارتفاع الأصوات المعارضة ضد الحرب الخفية على الإرث العلماني عبر سياسات الأسلمة الناعمة. النتيجة أنّ النجاحات التي حققها الإسلاميون اقتصادياً وسياسياً في موازاة نزعة السيطرة على مؤسسات الدولة والتخبط الداخلي والإقليمي، تشي باحتمال تراجع «الأنموذج التركي» الذي أشاد به كثيرون.
No comments:
Post a Comment