فضائيات الطوائف !!!
Les Chaînes Satellitaires sectaires en Irak
شبكة البصرة
الدكتور أحمد عبد السلام*
شهد العالم أواخر القرن العشرين تقدما هائلا في وسائل الإعلام بفضل ما سمي بالثورة التكنومعلوماتية أو التكنواتصالية، وتطورت وسائل الإعلام وغدت تمارس دورا مهما في بلورة الرأي العام نحو القضايا المهمة. وأصبحت احد القوى المؤثرة في صنع القرار. وتغيرت المفاهيم الإعلامية تبعا لذلك فأصبح مفهوم الخبر ليس نقلا لحدث وقع وإنما هو حدث تجري مشاهدته لحظة وقوعه. وأضحى الإعلام أداة الدولة الفاعلة للتنمية والتقدم ولكن الاحتلال لم يجلب لبلدنا تلك القوة الفاعلة لتعزيز الديمقراطية في الوطن كما يدعي بل جاء بها إيغالا في تمزيق وحدة الوطن. فالحرب على العراق لم تكن حربا بالدبابة والطائرة والمدفع فحسب، بل كانت حربا إعلامية شرسة مهدت للغزو واستمرت بعده إلى يومنا، فهي لا تقل خطورة عن الصفحة العسكرية للحرب. لان أثرها مازال قائما ومستمرا ومن صور هذه الحرب الإعلامية أن الاحتلال الأمريكي للعراق وقبل دخول قواته الغازية للعراق وردّ للأحزاب العميلة ذات الغطاء الإسلامي الوسائل الإعلامية ومنها إن أجهزة إذاعة الحزب الإسلامي وصلت إلى الكويت قبل بدء الحرب ودخول القوات الأمريكية. والإعلاميون العراقيون على دراية بتفاصيل لقاءات المسؤولين الأمريكان مع الخونة وعملاء الاحتلال لحثهم على إنشاء الصحف ومحطات الإذاعة وقنوات التلفاز الفضائية. في ظل بيئة الاحتلال نشأت الكثير من وسائل الإعلام في العراق التي يصح القول عنها وسائل إعلام الاحتلال الأمريكي الصهيوني الإيراني لان أهدافها ومراميها تصب في خدمة المحتل. ولأنها ليست عراقية الفكر والتمويل.
وبعد قرابة خمس سنوات من الاحتلال، بلغ عدد القنوات التلفازية (35) قناة معظمها فضائية، منها (14) قناة تعمل بتمويل ودعم من الولايات المتحدة و(13) تعمل بتمويل من إيران و(4) تابعة لحكومة الاحتلال و(2) تعمل بتمويل خليجي وواحدة تعمل بتمويل من تركيا وواحدة تعمل بتمويل من ليبيا.
ومن بديهيات خبراء الإعلام مثل شرام وفنسنت فراس وريموند ب نيكسون إن التمويل هو احد محددات حرية وسائل الإعلام وأدوات السيطرة عليها ولهذا نشأت تلك القنوات مكبلة بشروط ومحددات جهة التمويل، وأصبحت تعمل وفقا لتوجهات ارتباطاتها السياسية والفئوية على تكريس واقعا طائفيا وعرقيا لم يشهد العراق مثله من قبل. ولم يعد مستغربا في العراق أن تشهد الأيام المقبلة نشوء قنوات تلفازيه فضائية لعشيرة أو مدينة وبلدة معينه مهما كان حجمها مادامت أهدافها تخدم حالة التشرذم وتثير النعرة الطائفية.
أما الخطاب الإعلامي لهذه القنوات فقد اتسم على الأغلب بتلميع صورة الاحتلال والحكومة المعينة من قبله، لدى المواطن والابتعاد عن شواغل الرأي العام في العراق وأهمها الأمن وتدهور قطاع الخدمات والصحة والماء والكهرباء، وبات جليا أنها لا تمتلك الحيادية فكل منها يتبع نهجا سياسيا يعبر عن الجهة التي يمثلها ومعظمها ذات توجهات طائفية وعرقية تبث سمومها لتفكيك النسيج الاجتماعي، وتفتقر إلى الخطاب الوطني الجامع، كل منها موجه إلى شريحته الطائفية أو العرقية وربما يعزى ذلك إلى نكوص إعلامي وقلة خبرة فضلا عن غايات مبيته سلفا، فقد غادرت معظم وسائل الإعلام في العالم تبنيها خطابا إعلاميا موجها لجهة محددة سياسة كانت أم عرقية أو طائفية دون غيرها في البلد الواحد لان ذلك يعني خسارة للطرف الآخر أما واقع الفضائيات في العراق – لا اسميها العراقية لأنها ليست عراقية الفكر والتمويل - إنها أُنشئت لتكون أداة لخلق التناحر والفرقة، لا لتكون عامل وحدة وتآزر، وجدت لتتخبط في طقوس طائفية هادفة إلى إشغال الرأي العام وتحويل انتباهه عن القضايا المصيرية وأهمها الاحتلال وإفرازاته، بمناسبات دينية تأخذه بعيدا عن مأساة ما يجري وتشتيت أفكاره ببرامج بعيدة عن الموضوعية وصورة الواقع الكارثي الذي يعيشه، فضلا عن بث روح النزعة الطائفية الانفصالية، ومما زاد الطين بله إن أطرافا عربية دخلت ميدان التنافس الطائفي دون حسبان إلى مآل وخطورة تلك الخطوة فالعراق أحوج ما يكون إلى خطاب إعلامي هادف لجمع كلمة العراقيين ضد الاحتلال الأمريكي والإيراني، خطاب يجمع أبناء الوطن على وحدة الكلمة ووحدة البندقية لا لتشتيت جهدها، إن دعم جهة بعينها لإيجاد توازن موهوم مع الطرف المقابل لها لأنه مدعوم من إيران أو غيرها هو بحد ذاته تحريض على النزعة الطائفية، إن العراق بحاجة إلى خطاب إعلامي يركز على دعم المقاومة الباسلة الشريفة الموجهة ضد الاحتلال وأذنابه وليس لتكريس الفتنة الطائفية، إعلام يعبر عن هموم العراقيين بصدق وموضوعية، إعلام يحث على لم الشمل وحدة الصف ومحاربة الاحتلال وأعوانه ورد كيده إلى نحره. وإفشال مشروعه الطائفي لتقسيم العراق.
*كاتب وباحث
شبكة البصرة
الخميس 23 محرم 1429 / 31 كانون الثاني 2008
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
http://www.albasrah.net/ar_articles
No comments:
Post a Comment