المفكر محمد الطالبي(رئيس بيت الحكمة) يستقبل"اليوم" في بيته:
**حاوره:محمد بوغلاب
- هذه رسالتي لبن علي... فلينر نور الله قصور الظالمين...
- أحب أن تبقى تونس بلاد الحريات والمواجهة الفكرية دون عنف...
- أحببت بورقيبة وأساند الباجي قايد السبسي...
- بورقيبة يحترم المثقفين أما بن علي فيسخر منهم ...
- ديني الحرية ...
- نعم هناك إختلاف بين مورو والغنوشي...
في اليوم الذي أجرينا فيه هذا الحوار مع الدكتور محمد الطالبي صدر بلاغ وزارة الثقافة بتعيينه رئيسا لبيت الحكمة، فهاتفت الرجل مهنئا وقلت له مشاكسا"لو كنت أعلم أن زيارتنا لك هي سبب تعيينك لزرناك منذ سنوات" ...
ولا يخفى على أحد أن بن علي لم يكن ينظر بعين الرضى إلى محمد الطالبي منذ كتب "عيال الله" وفيه ذكر الراحل محمد مزالي بخير...فأقيل الطالبي من رئاسة اللجنة الثقافية الوطنية وتم تهميشه ومضايقته طيلة سنوات دون مراعاة لمكانة الرجل بإعتباره من مؤسسي الجامعة التونسية ... وعلى الرغم من تقدم محمد الطالبي في السن(من مواليد 1921) إلا أنه لا يكف عن المحاججة وخوض المعارك الفكرية والسجال بإصرار الشباب وآخر محاوراته الساخنة كانت مع الأستاذ عبد الفتاح مورو أحد مؤسسي حركة النهضة التي يرى كثيرون أن الطالبي أبرز خصومها...
ومحمد الطالبي هو أول عميد لكلية الآداب بتونس سنة 1955 ومن مؤلفاته الغزيرة نذكر"ليطمئن قلبي"،"أمة الوسط"،"افكار مسلم معاصر"... وهو أب لولدين ورثا عنه الحرية والإستقامة قدر إستطاعة المرء لأن النفس أمارة بالسوء يشتغلان في الطب هما غالب ومروان...
إستقبلتنا زوجة سي محمد وإستأذنت لتخبره بقدومنا... لفت نظري أنها كانت تناديه"سي محمد" بحب كبير يعكس العشرة الطويلة التي جمعتهما ...في بيته المتواضع غير بعيد عن حنايا باردو كان لقاؤنا ...
- كيف تعقب على ردود عبد الفتاح مورو على تصريحاتك في راديو شمس وإتهامك بأنك تكاد تحل شرب الخمرو تستهين بمقام الصحابة؟
لنتفق على أن حلية الخمر مسألة أثارت جدلا كبيرا بين المسلمين إلى نهاية القرن الثالث، فلست أنا أول من أثار الموضوع، وأنا أعمل بنصيحة الله"فإجتنبوه"
- هل هي مجرد نصيحة والحال أن الآية تتضمن وصف الخمر بأنه رجس من عمل الشيطان؟
لذلك أجتنب الخمر ولكني لست من إبتدع الجدل بخصوص تحريمه، فزيادة الله الثالث كان مدمنا على النبيذ حتى السكر وكان في مجلسه مالكيون(أتباع المذهب المالكي) يحرمون الخمر والكحول أما قاضيه "أبو محرز" وهو حنفي فكان يحلل النبيذ... والمريب أن الحج كان يتضمن سقاية وفي حجة الوداع سقى العباس عم الرسول النبي الأكرم النبيذ فشرب الرسول النبيذ ...ولكن أي نبيذ ؟هل هو المتخذ من العنب ويسمى خمرا أو من الزبيب او من الحنطة أو من النخيل ؟ وهوما أثار جدلا لا أحسمه بل أشرت إليه دون إتخاذ أي موقف لأنه من الصعب الجزم...وما يبدو للناظرين من إجماع على تحريم الخمر مرده إنتصار المالكية وتخلي الحنفية عن آرائها قبل القرن الثالث والقول بتحريم شرب كل أصناف الكحول ...
وبعد، هل في شرب الخمر حد أو لا؟ هذا هو الإشكال
- ليس مطلوبا من القرآن أن يضع كل الحدود ولذلك نلوذ بالحديث وبسنة نبينا وبالقياس... أليس كذلك؟
ليس كذلك يا ولدي...أنا أعمل من أجل تجديد الفكر الإسلامي ولا أقدس الصحابة...
- و لكن الحديث يقول"أصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم اهتديتم"؟
إذا أخذنا بهذا الحديث المكذوب ظللنا في كل إتجاه حائرين ضائعين، فأصحاب الرسول إختلفوا في ما بينهم إلى حد التحارب والتقاتل وسفك الدماء... أنا لا أقدس من سفك بعضهم دماء بعض... هذه كبيرة يعسر غفرانها، أنا مسلم قرآني وغير كلام الله غير ملزم للمسلمين لأن الخرافات فيه عديدة وكثيرة لا يقبلها العقل قط، ويعسر التفصيل في قضية الصحابة وأنا بصدد كتاب عنوانه "الإسلام القرآني والعلمانية" أتعرض فيه إلى تقديس الصحابة ...القرآن لا يقدسهم فقد ذكر أنهم كانوا يصلون وراء النبي ينفضون من حوله ويتركونه قائما بمفرده يصلي إلا قلة لا يزيد عددهم عن العشرة حين يستمعون إلى لهو أو تجارة...
- عاتبك عبد الفتاح مورو لأنك إستكثرت قول "رضي الله عنهم" على الصحابة والحال أنها مجرد جملة إنشائية لا تخبر؟
لم أستكثر عليهم شيئا، ولكن" رحمهم الله" تفيد الغفران و"رضي الله عنهم" تفيد أنهم قطعا من الذين رضي الله عنهم وأنا لا اقول شيئا والرسول يقول لا أدري ما يعمل بي ولا بكم ...فالرسول لم يبشر أحدا بالجنة ...
-تاريخيا متى ظهرت هذه العبارة اللاحقة لأسماء الصحابة"رضي الله عنهم"؟
يصعب تحديد ذلك ولكن أعتقد أنها تعود إلى أيام الشافعي الذي توفي سنة 204هـ فهو الذي قدس الصحابة حتى أنه جعل السنة تنقض القرآن والقرآن لا يقضي على السنة سامحه الله...
أما عبد الفتاح مورو فهو رجل مخلص ومؤمن صادق وهو حريص على تنزيه النبي وعلى الإستقامة الإسلامية ...
- هل يعبر مورو عن فكر النهضة؟
يعبر عن تيار في النهضة لا عن كل الحركة
- هل يختلف عن راشدالغنوشي؟
يختلف عنه، والخلاف واضح حد إفتراقهما قبل سنوات ...
-سي محمد... لقد بلغ الأمر حد إتهامك بالخرف على صفحات الفايسبوك وإنتقدت في صفحة" شباب حركة النهضة" بسبب موقفك من شيخهم في تلفزيون حنبعل ووصفت بقارئ الفنجان؟
(يضحك) أعرف أنه قيل عني ذلك ... وإن كنت خرفت فليقرؤوا كتبي" ليطمئن قلبي" وباللغة الفرنسية إن كانوا يحسنونها عن تاريخ المسيح والرد على بابا الفاتيكان ... سامحهم الله، أما قراءتي لكتب الغنوشي على قلتها فلم يسعفني الحظ لفعل ذلك وليعلم هؤلاء أني لا أهاجمه بإسمه بل أهاجم السلفية بصفة عامة والغنوشي أحد رموزها ...
- يفاخر بعض النهضويين بأن "أوردغان"-رئيس الحكومة التركية- صرح بأنه إستفاد من مؤلفات الغنوشي في بلورة فكرحزب العدالة والتنمية فما هو تعليقك؟
(مبتسما) نحن نستفيد من كل الكتب بما في ذلك كتب السلفيين ...أنا أقرا أصول كتابات السلفيين دون إعتبار المؤلفات الأخرى وأقول رحم الله من أهدانا خطايانا وأنا في كل لحظة مستعد لأعيد النظر في فكري وقناعاتي متى كان البرهان قاطعا ...
- هل إتصل بك راشد الغنوشي؟
نعم في أول أمره في هذا البيت حين عاد من سوريا(حيث درس الفلسفة الإسلامية) وهي المرة الوحيدة التي إلتقينا
-هل تحس أنه قاطعك؟
هذا لا يهم...قاطعني أم لم يقاطعني... أنا طالبت بمناظرته ومناقشته أكثر من مرة ولكنه لم يرد ...
- يقال إنك الخصم الأول للنهضة؟
هذا إلتباس... لست خصما لحركة النهضة بل خصم لتقديس الصحابة الذين نقلوا خرافات عديدة مثل تشبيه أنس بن مالك خادم رسول الله للإسلام بالحية التي خرجت من جحرها و ستعود إليه بعد جيل أو جيلين أو ثلاثة فكيف أقدس من يقول كلاما كهذا؟ ولا اقول رضي الله عنه لأني حكمت على الله مسبقا بالرضى عنه إنما أقول كما أقول في كل الناس رحمه الله وغفر الله ذنوبه وتجاوز عن سيئاته وعن سيئاتنا...
- أعرض عليك بيانا لحزب التحرير يقترح دستورا على التونسيين يكون الحكم فيه لله وحده ولا لغيره من الطواغيت وقد حاورت بعضهم فقالوا لي"لا حرية ولا ديمقراطية فهما كفر بل خلافة إسلامية " فما هو قولك فيهم؟
حزب التحرير هو الحزب الوحيد الذي يقول علنا ما تقوله السلفية خفية... هذا هو الموقف السلفي الوحيد المتضامن مع نفسه أشكر هذا الحزب على صراحته
- ألا يمثل هذا الخطاب خطرا على تونس؟
لا...لايمثل خطرا على تونس ولا أعتقد أن الأغلبية من المواطنين سينساقون وراء هذا الحزب، غير أنه إتجاه لابد من ضمان كل الحريات لكي يعبر عن آرائه بما فيها الإعتراف القانوني بالحزب لأن الحرية لا تنقسم فحريتي هي عين حريتك ...والمواجهة الفكرية هي التي تحسم الخلاف والله سبحانه وتعالي أراد التعددية وأراد أن يكون مجتمعنا فيه المسلمون والبوذيون واليهود والمسيحيون ...
- كنت أول عميد لكلية الآداب وعدت إليها في السبعينات وترأست اللجنة الثقافة الوطنية إلى غاية سنة 1989فكيف تحولت إلى معارض في عهد بن علي ؟ هل أنت من تغير أو طبيعة نظام الحكم؟
أنا لم أتغير بل تطورت تطورا طبيعيا...الآن في ما يخص خدمة النظام زمن بورقيبة
-( مقاطعا) تقصد خدمة الدولة لا خدمة النظام ؟
قلت "خدمة النظام"قصدا لأنهما كانا ملتبسين وحتى لا يقال إني أتهرب من مسؤولياتي ولكني لم أشارك قط في أي حزب على الرغم من أنني كنت أجد بطاقة الحزب الحاكم على مكتبي كل سنة وأنا عميد ...أنا أحببت بورقيبة وكان رقمي 35 من بين مستقبليه في 1جوان 1955
-هل بادلك بورقيبة الحب؟
لا أدري ولكن صلتي به تواصلت كمفكر برجل رفع لواء تونس عاليا... كان يدعوني كما يدعو عددا من المثقفين إلى القصر لحضور المسرحيات التي كانت تعرض أمامه...بورقيبة كان يحترم المثقفين
-وبن علي؟
كان يسخر منهم
-هل دعاك بن علي يوما إلى قصره؟ في اليوم الوطني للثقافة مثلا؟
لا... إنقطعت صلتي بالقصر بإنتقال بورقيبة إلى الإقامة الجبرية وكنت آخر من وسمه بورقيبة في صقانس بالمنستير سنة بحضور محمد الصياح... بورقيبة لم يتدخل في شؤوني قط تركني حرا طليقا... في الكلية لم أتلق أبدا تعليمات وكذلك في اللجنة الثقافية الوطنية من سنة 1980 إلى 1989 وحين صدر كتابي "عيال الله" إتصل بي المنجي بوسنينة وطلب مني بكل لياقة ان أغادرالمنصب
- من كان صاحب القرارفي عزلك؟
لا ادري... لم أسأل ولكني أتوهم أن ثنائي على محمد مزالي (الوزير الأول إلى غاية 1986 ثم فراره من تونس عبر الحدود الجزائرية ) حين كان طالبا في باريس...قلت إنه كان رجلا طيبا جدا ومخلصا وعاملا من أجل تحرير تونس كما قلت عندما أخذ طريقه إلى السياسة إنقطعت صلتي به فلماذا لا أصدق القول؟ أظن أن كلامي عن مزالي أغضب بن علي
- هذا يفترض انه قرأ الكتاب؟
لا أظن ذلك ولكنه قرأ تقرير أنس الشابي عن الكتاب في ثلاث صفحات متوالية في جريدة الصحافة وإتهمني بأني متطرف واليوم أصبحت متطرفا بشكل جديد في نظر البعض ...
- هل تحس بأنك ظلمت سي محمد حتى من تلاميذك، فهل من الطبيعي أن عبد المجيد الشرفي الذي كان معك في مشروع مجلة "مقاصد"(رفضت وزارة الداخلية الموافقة على إصدار المجلة) هو وكمال عمران أن ينقلب عليك؟
كمال عمران مسلم وصادق الإسلام وصلتنا وثيقة وهو أيضا من الذين يريدون تحديث الفكر الإسلامي، أما عبد المجيد الشرفي فهو زميلي ككل الزملاء وخلافنا ليس خلافا شخصيا غير أنه إنسلخ في نظري عن الإسلام ... هو يذهب إلى أن القرآن ليس بكلام الله بل تخميرة حدثت في دماغ محمد الذي كان محتارا في أمره
- هل يبرر هذا تكفيره؟
هل إستخدمت أنا مفردة التكفير؟ إستعملت "إنسلخ"وقد وجدتها في كتاب الله، فالله سبحانه آتاه أياته فإنسلخ عن هذه الآيات وطعن في قداسة القرآن وردد ما يقوله المستشرقون واليهود وموقفي واضح في "ليطمئن قلبي" الذي كشفت فيه مقولات الشرفي ...
- من هو رجل المرحلة القادمة في تونس؟
(هنا فاجأني محمد الطالبي برده )... أنت
- هل يفهم من حضورك ندوة للحزب الديمقراطي التقدمي تعاطف مع هذا الحزب؟
لو حضرت لكنت سمعتني أنبه في بداية الجلسة إلى أن حضوري لا يعني أني منتم إلى هذا الحزب أو غيره ...أتعاطف مع كل الحريات... ديني الحرية ... أقولها وأكررها لأن كلام الله الحرية
- هل إنسلخت عن المجلس الوطني للحريات؟
ولماذا أنسلخ عنه مادام يدافع عن الحريات؟ الحريات مقدسة لأن الله سبحانه وتعالى خلق آدم حرا...
- هل تطمئن إلى الباجي قايد السبسبي؟
أطمئن إليه تماما لأنه لا يتشبث بالكرسي... هو وضع نفسه في خدمة تونـس وإنقاذ الموقف في ظروف حرجة جدا... وعندما نرى ما يجري من فوضى وتسيب وموجات عنف أخشى على هذه المسيرة أن تجهض عبر الطريق وأن تقوم حركات في صالحها الفوضى تحركها وتدفع إليها لأنها لا تنجح إلا بالفوضى وفيها... تصطاد في المياه العكرة كما يقال ... أنا اريد لتونس الخير ولذلك أساند الباجي قائد السبسي ومن معه ...
- هل عرفته ؟
عرفته كما عرفت كل الشخصيات البارزة في الطبقة السياسية
- هل أنت على تواصل مع أحد من الطبقة السياسية اليوم؟
لا
- هل تنتظر إعادة الإعتبار لك بتكريم أو تعيين بعد تهميش طويل ؟
والله إني لا أتألم قط لهذا التجاهل... أنا رجل فكر ... من فكر بصدق وواجه الظلم لاقى مضايقات ولم أكن وحدي في هذا ... هناك من ماتوا تحت التعذيب رحمهم الله...أنا لم ينلني ما نالهم جازاهم الله خيرا
- أصولك جزائرية فهل تحن إلى الجزائر؟
أنتمي إلى الأمة الإسلامية و حيث يوجد مسلم فأنا أحن إليه ...
- ولكني أسألك عن جذورك؟
أنا ولدت في نهج سيدي البشير في بيت ملاصق للزاوية حيث كنت أرتاد صغيرا حلقات الذكر ...أبي ولد في تونس فهل أنا الوحيد من أصل ليبي أو جزائري؟ تونس فيها أناس من جذور مختلفة فهي بلد التفتح نجد فيه من جذوره اندلسية وصقلية...تونس هي بلد المزج والإمتزاج وأحب ان تبقى بلاد الحريات والمواجهة الفكرية دون عنف...
-هل لك أصدقاء؟
والله لا أدري... طبعا لي ولكن لا أذكرهم بأسمائهم... يزورونني في الأعياد...
- كيف تقضي يومك؟
بين النوم والقلم...وآخر ما كتبت كان عن عقيدة الأشعري الذي يقول تبعا للشافعي السنة تقضي على القرآن سامح الله من جعل روايات المحدثين والله أعلم بصحتها تقضي على كلام الله
- سي محمد، هل تفكر في الموت ؟
طبعا في كل لحظة
- هل تخشاها؟
أبدا ... الموت جواز سفر من دار الدنيا إلى دار الآخرة ...إن إعتقادي وإيماني ومحبتي لله تجعلني أعمل قدر إستطاعتي كي أكون على الصراط المستقيم وهذا الصراط هو ما يجعلني ألتقي بالله، والله رحمة وهو أرحم الراحمين
- ماذا يمكن أن يقول الطالبي المؤرخ لرئيس حكم تونس طيلة عقدين ثم فر ؟
أذكر أني كتبت مرة "فلينر نور الله قصور الظالمين "
- هل أنت جد لطيف ؟
أحاول ان أكون كذلك
No comments:
Post a Comment