Search This Blog

Tuesday, July 05, 2011

آفاق "حركة النهضة"

آفاق "حركة النهضة" الإسلاميّة في الحياة السياسيّة التونسيّة المعاصرة

الأحد 3 تموز (يوليو) 2011

بقلم: مصطفى القلعي


حركة النهضة هي حزب سياسيّ إسلاميّ تونسيّ. وخروجها من السرّ إلى العلن يعود الفضل فيه إلى ثورة 14 جانفي التونسيّة بطبيعة الحال. فهي التي منحت التأشيرة الحقيقيّة لكلّ التشكيلات والتيّارات السياسيّة والإيديولوجيّة بمختلف خلفيّاتها ومراجعها لتتواجد في المشهد الاجتماعيّ التونسيّ ولتمارس حقوقها في التنظّم السياسيّ من أجل الوصول إلى الحكم. غير أنّ اللافت هو أنّ حركة النهضة، كغيرها من التيّارات السياسيّة الوطنيّة التاريخيّة(1) مرّت مباشرة إلى الممارسة السياسيّة الميدانيّة. ولم نقرأ للحركة تنظيرا فكريّا ولا نقدا ذاتيّا ولا مراجعة للثوابت والمتغيّرات. وغياب النقد أمر مقلق يسود المشهد السياسيّ التونسيّ الطالع بعد ثورة 2011، ويسمه بالهشاشة وغياب التأصيل.

وأودّ أن أشير إلى أنّي لن أناقش، في هذا المقال، الخلفيّة الإيديولوجيّة الإسلاميّة لحركة النهضة ولا علاقتها بالعصر ولا بدائلها المجتمعيّة. وسأرجئ هذا النقاش إلى مناسبة أخرى. وإنّما سأقرأ، في هذا المقام، معالم مستقبل حركة النهضة الإسلاميّة التونسيّة في ضوء المعطيات السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والجيوسياسيّة المتوفّرة في اللحظة التاريخيّة الرّاهنة. بمعنى آخر، سأحاول أن أنظر في آفاق هذه الحركة من خلال وضعها في إطارها الجغرافيّ والتاريخيّ والسياسيّ المحليّ والإقليميّ والدوليّ.

ملامح التكتيك السياسيّ لحركة النهضة قبيل الثورة وبعدها

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ التكتيك السياسيّ لحركة النهضة قبل انفجار الثورة التونسيّة كان ذا وجهين؛ وجهٍ خارجيّ نشيط ووجه داخليّ ذابل. ولذلك لا بدّ من رصد ملامح التكتيك السياسيّ لحركة النهضة الإسلاميّة التونسيّة من خلال العودة إلى مرحلة ما قبل انفجار الثورة التونسيّة. ويمكن أن نتّخذ المداخلات السياسيّة الإعلاميّة لكوادر الحركة ورموزها المقيمين في الخارج نقطة ارتكاز في هذا الرّصد. فالجامع بين هذه المداخلات هو إجماعها على خطاب راديكاليّ مؤلم موجّه إلى النظام النوفمبريّ الذي كان قائما.

فقد رأينا، مثلا، لطفي زيتون والشيخ راشد الغنوشي في العديد من الفضائيّات الأجنبيّة وهما يوجعان النظام النوفمبريّ القائم بفضح ممارساته الديكتاتوريّة وتجاوزاته الحقوقيّة. وكانا يعبّران دائما عن الإيمان الرّاسخ بقرب زوال هذا النظام. وكانا يجمعان الإشارات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة الدالّة على ذلك. كما أنّهما لم يتنازلا. ولم يهادنا. ولم يريا لهذا النظام فرصة للنجاة أبدا. وتمسّكا برؤاهما ومواقفهما وهم يريانه يغرق ويتهالك ويتآكل. مقابل هذا القصف الإعلاميّ النهضويّ للنظام النوفمبريّ، كانت تُمرّر وعود بالغد التونسيّ الديمقراطيّ المشرق.

غير أنّنا لا بدّ أن نسجّل سمة من سمات التكتيك السياسيّ لحركة النهضة خلال مرحلة ما قبل الثورة يكاد يهملها الجميع. وهي الحرص على الجمع بين السياسيّ والعلميّ. فقد كان الشيخ راشد الغنوشي حريصا على تقديم نفسه باعتباره عالما من علماء الدّين إلى جانب صفته النهضويّة الحركيّة. فهو من المنتمين إلى الاتّحاد العالميّ لعلماء المسلمين. وتمّ انتخابه مؤخّرا نائبا لرئيس الاتّحاد. وكثيرا ما تحّدث الشيخ راشد عن نظريّاته وأطروحاته ومؤلّفاته وكتبه التي تمّ اعتمادها في تركيا مرجعا لحزب العدالة والتنمية الحاكم. فزعيم حركة النهضة ليس حركيّا ميدانيّا جهاديّا. وإنّما هو رجل علم وفكر قبل ذلك. هذا ما كانت تحرص الحركة على ترويجه والتأكيد عليه.

ومن تكتيكات حركة النهضة السياسيّة العملُ المعلن الصريح المباشر من الخارج والعمل القاعديّ السريّ من الدّاخل على استقطاب الناس. فالظهور الإعلاميّ من الخارج كان يتضمّن رسائل ووعودا بقرب ساعة الفرج والخلاص للمناضلين الإسلاميّين المساجين والملاحقين بقدر ما هو موجّه للشعب التونسيّ وللمريدين المرتجفين أو المتردّدين الذين يميلون بالهوى أو بالإيمان أو بالقناعة للإسلام السياسيّ.

غير أنّه لا بدّ من أن نسجّل غياب النهضة شعارا (كالتكبير والصداح بالشهادة، مثلا) وقواعد (من خلال غياب مظهرهم المعروف باللباس الإسلاميّ واللحيّ المرسلة والطواقي البيضاء) عن السّاحات الاحتجاجيّة الداخليّة المتأجّجة الحامية أثناء شرارات الثورة المندلعة في أكثر من مكان من التراب التونسيّ لاسيما شرارتي الحوض المنجميّ في الجنوب الغربيّ في يناير/ جانفي 2008 وبنقردان في أقصى الجنوب في رمضان 2010. فلم نر النهضة في الساحات النقابيّة المناضلة التي لم يكن صوت نضاليّ أعلى من صوتها. ولم نر قواعدها في الدّاخل تتحرّك. كان صوت النهضة داخل الوطن خافتا جدّا.

فهل كان ذلك نوعا من التكتيك السياسيّ الرامي إلى الحفاظ على سلامة القواعد من القمع والاعتقال؟ أم كان ذلك دليلا على غياب التحكّم في القواعد وتسييرها وتجييشها من الخارج؟ كيف نفسّر هذه القواعد الشعبيّة العريضة للحركة الطالعة بعد الثورة مقابل غياب التأثير الفعليّ في الثورة التونسيّة؟ إنّ التكبير نسمعه عاليا اليوم في ليبيا وفي سوريا لكنّنا لم نسمعه في تونس مطلقا. فماذا كانت النهضة تفعل؟ وإلى ماذا كانت تعدّ؟

مباشرة بعد 14 جانفي، دوّى صوت التكبير عاليا. وتهادت الجلابيّات في شارع بورقيبة بالعاصمة التونسيّة. وانعقدت حلقات نقاش عديدة حول العلمانيّة واللائكيّة والهويّة(2) لشدّما تذكّر بالمقامة البغداديّة للهمذاني حيث تتراصّ الصفوف وتتلاحم الأجساد وتتلاصق اللحيّ حتّى يتحوّل المشهد سورياليّا تغيب فيه الملامح والقامات وتخفت الأصوات (ولا ينقصه إلاّ القرّاد أبو الفتح الإسكندريّ الذي يلاعب قرده) فلا ترى إلاّ اللحيّ المسدلة متعانقة كلّما مددت وجهك وجدته غارقا في الشَّعر المتعرّق بحكم الالتحام والاحتكاك.

من أين جاءوا ولم يكونوا هنا؟ هل كانت خلايا نائمة مهيّأة للحظة ما بعد الثورة لا للتي قبلها ولا للتي أثناءها؟ هل كانت الحركة ترى أنّها قد أدّت دورها النضاليّ الميدانيّ في تسعينيّات القرن الماضي وقدّمت ما يكفي من الأثمان ولم تعد مطالبة بدفع المزيد؟ أم لم يكن مرحّبا بها في ساحات النضال النقابيّة التي كانت تسيطر عليها التيّارات اليساريّة أوّلا والقوميّة ثانيا؟ أم هل أنّ المجتمع التونسيّ كان غير مهيّإ أصلا لهذا البديل الإسلامويّ؟ أم هل أنّ الإسلامويّة لا تمتلك الأرضيّة المناسبة لتنبت وتينع في تونس بحكم عوامل ثقافيّة واجتماعيّة وتاريخيّة عديدة؟

لا يمكن أن تكون هذه القواعد النهضويّة قد انتمت إلى الحركة بعد الثورة. فهي كثيرة العدد وممتلئة بالبديل النهضويّ ومتوثّبة للسجال مع كلّ الأطراف. وهي تتحرّك في مجموعات منسّقة الحركات. ومن تكتيكات حركة النهضة التي أوقعتها في أخطاء استراتيجيّة أضرّت كثيرا بصورتها في الدّاخل وفي الخارج وجعلت كوادرها في أشدّ الحرج وهم يحاولون الإصلاح؛ سرعة الانقضاض على المساجد وطرد أيمّتها واحتلالها ميادينَ للعمل التعبويّ والتكفيريّ والدعويّ. إنّ هذا الخطأ ضربة سياسيّة موجعة للحركة أعاد إلى الأذهان صورة نمطيّة جهدت الحركة كثيرا لإبعادها من ذاكرة النّاس هي صورتها الجهاديّة.

ولعلّ هذا الخطأ التكتيكيّ هو ما دعا الحركة إلى تكثيف النشاط السياسيّ في الأطر السياسيّة الشرعيّة لترويج الخطاب الاعتداليّ المؤكّد على احترام المكاسب والثوابت الاجتماعيّة وحتى تدعيمها. ولعلّه من اللافت أن نلاحظ أنّ الشيخ راشد الغنوشي وباقي كوادر الحركة كانوا يتجوّلون في المدن الساحليّة السياحيّة التي كانت في ما مضى "تنقض الوضوء"، بعبارة زعيم الفيس الإسلاميّة الراديكاليّة الجزائريّة عبّاسي مدنيّ، ويعقدون اجتماعاتهم الشعبيّة في إشارة إلى تفتّح الحركة على العصر. كما سارعت الحركة بإرسال ممثّليها إلى مراكز القرار الدوليّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وفي العواصم الأوروبيّة للترويج لهذه الصورة المتفتّحة ولطمأنة الغرب على مصالحه وعلى حدوده. فهل اطمأنّوا فعلا؟ إذن، يمكن أن نستخلص أنّ التكتيك السياسيّ لحركة النهضة قد أصابه الاضطراب.

فانتازيا صورة الحركة في المشهد السياسيّ التونسيّ

إنّ الصورة المرسومة لحركة النهضة في تونس صورة تغلب عليها الفنتازيا في أغلب الأحيان حتى لا نقول إنّها صورة دراميّة. فهي تبدو حركة مغلقة على مستوى القيادة إذ أنّها حافظت على زعمائها أغلبهم. ولا نكاد نسمع عن خلاف أو تنافس بين كوادرها ماعدا الخلاف الصامت بين الشيخ عبد الفتّاح مورو وبين الحركة. كما أنّ الحركة تبدو متحرّرة نسبيّا من إشكاليّة الزعامة الفرديّة(3) باعتبار أنّ زعماءها كُثُرٌ رغم كاريزما الشيخ راشد الغنّوشي الكبيرة التي يتمتّع بها في صلب الحركة. وسنعود إلى مناقشة هذا النموذج الديمقراطيّ لحركة النهضة انطلاقا من هذه النقطة.

ومع أنّ للحركة مكتبا تنفيذيّا ورئيسا لهذا المكتب هو حمادي الجبالي إلاّ أنّ المتكلّمين باسمها عديدون(4). ونراهم منسجمين على نفس الموقف دون ارتباك وعلى الدرجة نفسها من القدرة على التعبير والتبليغ وحضور البديهة. ولعلّه من الطريف أن نلاحظ أنّ رئيس المكتب التنفيذيّ للحركة هو من أقلّ كوادرها ظهورا وكلاما خلافا لبقيّة الأحزاب. بل إنّ أغلب الأحزاب لا نسمع منها غير أصوات أمنائها العامّين ورؤسائها.

هذا يعني أنّ حركة النهضة حريصة على تقديم هذه الصورة الموسومة بالتماسك الداخليّ والتضامن والوفاق التامّ بين مختلف كوادرها. غير أنّها أحرص على أن ترسل للمجتمع التونسيّ رسالة سياسيّة قويّة مفادها أنّها حركة مقاومة للفردانيّة وللصنميّة. وهي تعمل على أن تمارس هذا الخيار من خلال هذه الاستراتيجيا القياديّة القائمة على حكم الأغلبيّة داخل المكتب التنفيذيّ للحركة لا على توجيهات الزعيم الفرد ولا على تعليماته في الظاهر على الأقلّ. بمعنى آخر إنّ حركة النهضة تقدّم نموذجها في الحكم من خلال منهجها في التسيير الداخليّ للحركة.

إنّ الرسالة الموجّهة من قبل زعامات الحركة وقياداتها إلى النّاخبين وإلى غير المنتمين إلى الحركة بعدُ رسالة سياسيّة تعني أنّ الحركة ليست سلفيّة ولا جهاديّة. والدليل على ذلك أنّها لا تُردّد مفاهيم الشورى والإمارة والطاعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها في خطاباتها السياسيّة والإعلاميّة. وإنّما رسالتها التي ترغب في تبليغها مفادها أنّها حركة مدنيّة ديمقراطيّة حداثيّة(5) لا تؤمن بحكم الفرد ولا بعصمته. وإنّما مشروعها في الحكم مشروع جماعيّ لا ترى نفسها إلاّ طرفا فيه كغيرها من الأطراف. بمعنى آخر إنّ حركة النهضة تقول إنّها لا تريد أن تحكم. وما تريده هو أن تشارك في الحكم. فهل مطلب المشاركة هذا في باب الديمقراطيّة أدخل أم في باب القناعة أم في باب التشوّف الجيوسياسيّ؟

من الملامح الفانتازميّة لصورة حركة النهضة هي المفارقة الثلاثيّة الأبعاد القائمة بين ثقلها الاجتماعيّ أوّلا وبين صورة الضحيّة التي تحبّ أن تتلبّس بها ثانيا وبين صورة المتّهم التي تقابَل بها في وسائل الإعلام وفي المشهد السياسيّ بشكل عامّ ثالثا. فللحركة ثقل اجتماعيّ عليه جملة من العلامات الدالّة. منها مقرّها الفاخر الجديد. ومنها سرعة إصدار جريدتها الناطقة بلسانها(6). ومنها كثرة المريدين وغزارة الأنشطة وتواتر الاجتماعات الشعبيّة العامّة. ومنها، أيضا، حضورها الإعلاميّ البارز في كلّ الحوارات والسجالات السياسيّة في مختلف وسائل الإعلام العموميّة والخاصّة. ومنها الحضور المؤثّر والمدوّي والسجاليّ أحيانا في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسيّ والانتقال الديمقراطيّ.

غير أنّ هذا الثقل الاجتماعيّ يقابله وضع غير مريح يجد فيه ممثّلو الحركة أنفسهم في أغلب الأحيان هو وضع المتّهم. فكثيرا ما رأينا النهضويّين يجدون أنفسهم مضطرّين لدفع الاتّهام والدّفاع عن النفس وتبرئة الذات من التّهم الموجّهة إليهم صراحة أو بشكل ضمنيّ لاسيما تهم ازدواجيّة الخطاب، وإغواء المريدين وغير المنتمين بتقديم الهبات، وتلقّي المساعدات من الخارج، وعدم الصّدق في الإعلان عن الالتزام بالمكتسبات الاجتماعيّة الوطنيّة لاسيما مجلّة الأحوال الشخصيّة والمسألة التربويّة والتشريع القضائيّ وغيرها.

منزلة المتّهم التي توضع فيها الحركة كثيرا ما تنقلب إلى منزلة الضحيّة التي يستمدّ منها أصحابها شرعيّة نضاليّة تاريخيّة يرون أنّها كافية وحدها لتتيح لهم الحضور الفعليّ في الساحة السياسيّة واحتلال مكانة في المشهد الانتقاليّ الحاليّ أوّلا وفي المشهد الانتقاليّ التأسيسيّ ثانيا وفي المشهد الديمقراطيّ المنتخب المرجوّ أخيرا. وكثيرا ما تحوّلت صورة الضحيّة إلى إيديولوجيا أخلاقيّة ذات سطوة معنويّة ونفسيّة تمارس على متلقّيي الخطاب لا تستجدي منهم مقابلا بل تطلبه باستحقاق. والمقابل ليس ماديّا. وإنّما هو أشدّ وأهمّ وأثقل؛ إنّ الحركة تطلب الاعتراف (reconnaissance) والتساهل في قبول النقائص وتناسي الماضي غير النّاصع للحركة ولمنتسبيها.

النموذج الديمقراطيّ النهضويّ والخلفيّة الإماميّة

لكنّ هذا التكتيك التسييريّ الذي يتمثّل في دخول جميع كوادر الحركة وقادتها وأعضاء مكتبها التنفيذيّ، عدا الشيخ عبد الفتّاح مورو، تحت جلباب الشيخ الغنّوشي، يدخل في خانة البراغماتيّة السياسيّة. وهو تكتيك يخفي بقدرما يكشف. إنّه يخفي التأثّر بالنمط الإيرانيّ وتقليده. فالرئيس في إيران وإن كان منتخبا فإنّ سلطته لا تعلو على سلطة الإمام غير المنتخب ديمقراطيّا. فسلطة الرئيس سياسيّة. وسلطة الإمام رمزيّة تسمح له بمعارضة قرارات الرّئيس وحتى إسقاطها. هذا المثال قريب من شكل تنظّم حركة النهضة. فالشيخ راشد الغنوشي، وإن لم يتوقّف انتخابه رئيسا للحركة في كلّ المؤتمرات السريّة، يحتفظ بدواليب تسيير الحركة والتأثير فيها والتكلّم باسمها وتنشيط الاجتماعات الشعبيّة العامّة مقابل انحسار ظهور رئيس المكتب التنفيذيّ للحركة المنتخب حمّادي الجبالي.

فلماذا تستنجد الحركة بالشيخ الغنوشي في اجتماعاتها الشعبيّة العامّة في كلّ جهات البلد؟ ما مدى ديمقراطيّة هذه الممارسة؟ هل استنجد ساركوزي بشيراك، مثلا، في حملته الانتخابيّة؟ هل استنجد أوباما بكلنتون؟ هل استنجد ماكّين ببوش؟ لماذا هذه الأبويّة في السياسة الداخليّة للحركة؟ أليس في ذلك إعادة إنتاج لفلسفة متهالكة ثارت عليها الفلسفات والفنون الحداثيّة الغربيّة؟ ألم يعد مفهوم موت الأب، باعتباره سلطة رمزيّة تمارس سطوة ما، رائجا في الخطاب الحداثيّ الإنسانيّ؟ ألا تعدّ هذه الممارسة السياسيّة النهضويّة الباترياركيّة انتكاسة على المكتسبات الحداثيّة للمجتمع التونسيّ؟

هذا التحليل يعني فيما يعنيه نقض الخطاب الديمقراطيّ الذي تروّج له الحركة إعلاميّا. ولعلّ هذا من الأسباب التي أنتجت تهمة ازدواج الخطاب الموجّهة إلى الحركة. فإذا كانت الحركة تؤسّس لممارسة ديمقراطيّة فإنّ الأولى أن تحافظ على تنصيب الشيخ الغنّوشي على رأس مكتبها التنفيذيّ لتكون له شرعيّة ديمقراطيّة للنطق باسمها أو أن ينسحب من المشهد الإعلاميّ والشعبيّ على الأقلّ ليترك المكان لرئيس المكتب التنفيذيّ ليمارس صلاحيّاته في الظهور أمام الجماهير ومخاطبتها.

وإن كانت الحركة لا ترى حمادي الجبالي قادرا على أداء دور رئيس مكتبها التنفيذيّ فلماذا تنتخبه؟ وإن كان المؤتمر الديمقراطيّ النهضويّ قد أنتج رئيس مكتب "غير كفء" حسب هذا التحليل فما جدوى الديمقراطيّة النهضويّة؟ وهل هذه هي الديمقراطيّة الموعود بها الشعب التونسيّ؛ ديمقراطيّة انتخاب من تسلب صلاحيّاته على النمط الإيرانيّ؟ فيظلّ بالتالي الحكم غائبا عن الشعب وواقعا بين أيدي طرف منزّه معصوم عن الخطإ خارج عن إطار المحاسبة.

في الجزء الثاني من هذا المقال سننظر في موقع حركة النهضة في محيطيها المحليّ أوّلا والإقليميّ والدوليّ ثانيا من خلال قراءة المعطيات الجيوسياسيّة والاستراتيجيّة والتكتيكيّة المتوفّرة المتعلّقة بحركة النهضة.

موقع حركة النهضة في إطارها الوطنيّ الداخليّ

إنّ النظر في آفاق حركة النهضة الإسلاميّة في الحياة السياسيّة التونسيّة يمرّ أساسا عبر قراءة سوسيولوجيّة نفسيّة ثقافيّة للمجتمع التونسيّ. والحقيقة أنّ هذه القراءة غير متوفّرة عند أهل الاختصاص في اللحظة الرّاهنة. بقي أنّه يمكن أن نقارب هذا العنصر من خلال مناقشة جملة من الأسئلة: هل تمثّل حركة النهضة كلّ أطياف الإسلام السياسيّ في تونس؟ بمعنى آخر هل كلّ متديّن نهضويّ بالقوّة إن لم يكن نهضويّا بالفعل؟ ما هي علاقة الحركة بالمراجع العلميّة الإسلاميّة؟ ما هي نظرة الحركة إلى المرأة؟ ما هي نسبة انتشار النهضة بين الفئات الاجتماعيّة التونسيّة؟ ما هو مدى انتشارها الجغرافيّ في تونس؟ ما هي توازنات الحركة داخل المجتمع السياسيّ؟

لابدّ من لإشارة بدءا إلى أنّ المجتمع التونسيّ مجتمع مسلم بالقوّة أو بالفعل أو بكليهما. فهو ينتسب إلى الفضاء الحضاريّ الإسلاميّ الذي يجمع المؤمنين واللائكيّين والملحدين والفوضويّين (Les Anarchistes). والوشائج القيميّة والأخلاقيّة الرّابطة بين أفراد هذا المجتمع ذات جذور إسلاميّة. والعادات والتقاليد الوضعيّة المتحكّمة في الحياة الاجتماعيّة التونسيّة أغلبها إسلاميّة. وقوانين الحراك الاجتماعيّ وآليّاته ومؤسّساته كقوانين الميراث وآليّات الملكيّة وآليّة العمل ومؤسّسة الزواج ومؤسّسة العائلة، أغلبها مستمدّة من الإسلام عقيدة وتشريعا وتاريخا.

هذا يعني أنّ المتديّنين الممارسين (Les Pratiquants) وغير الممارسين (Les Non Pratiquants) نسبتهم عالية في المجتمع التونسيّ. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ غير الممارسين هو من الغيورين على المعتقد الإسلاميّ غيرة الممارسين. والكثير منهم يؤجّل الممارسة لأسباب مختلفة. وهؤلاء المتديّنون كانوا دائما موجودين قبل نشأة التيّار الإسلاميّ السياسيّ. وظلّوا متواجدين مع وجوده ونشاطه وحتى بعد التضييق عليه وكنسه من المشهد إذ لم تخل المساجد في تونس يوما من مئمّيها في كلّ أوساط الصلاة وفي كلّ المناسبات الدينيّة ورغم عيون البصّاصين والقوّادين والعُمَد ورؤساء الشعب الدستوريّة.

وبعض المتديّنين تأسلموا وانتموا سرّا وعلنا إلى النهضة. والكثير منهم لم يفعلوا حتى بعد 14 جانفي وحصول الحركة على تأشيرة النشاط السياسيّ القانونيّ. هذا يعني أنّ حركة النهضة لم تستوعب يوما كلّ المتديّنين ولا حتّى أغلبهم رغم توسّع قواعدها. وهذا الكلام يحتاج إلى إحصائيّات دقيقة نرجو أن يسعفنا بها الباحثون الاجتماعيّون والمعاهد المختصّة فإنّها حتما ستساهم في توضيح الرّؤية وإخراج الأحكام من التأويل والترجيح إلى الإثبات العلميّ.

بقي أنّه لابدّ من أن نلاحظ أنّ المنتمين إلى الحركة هم بالضرورة من المتديّنين الممارسين. ولا يمكن أن ينتمي إليها غير المتديّن ولا حتى المتديّن غير الممارس. ألا يسم هذا الحركةَ بالعنصريّة والصفويّة؟ لماذا نجد المتديّنين في الأحزاب اليساريّة والقوميّة والليبراليّة وحتى الرّاديكاليّة منها ولا نجد غير الممارسين في حركة النهضة؟ ألا يجعل ذلك الحركة حركة دينيّة لا حركة سياسيّة ديمقراطيّة كما تروّج إلى ذلك بروباغانداها الإعلاميّة؟

كما أنّ انتماء المجتمع التونسيّ إلى الفضاء الحضاريّ الإسلاميّ لا يلغي تعدّده وانفتاحه. فهو مجتمع متعدّد من حيث القناعات الفكريّة والميولات الإيديولوجيّة بفعل نضال نخبة من رجالات الفكر والعمل السياسيّ والنقابيّ، على غرار محمود الماطري وعلي البلهوان والحبيب بورقيبة والشاذلي خزندار ومحمود قبادو وآل خريف وآل الشابي وغيرهم كثيرون، وبفعل المراهنة على التعليم الديمقراطيّ التقدّميّ الحداثيّ منذ مطلع الاستقلال.

ومن مكاسب هذا المجتمع أنّ تعدّده واختلافه لم يخلق فيه الخلاف الإيديولوجيّ الذي يمكن أن يؤدّي إلى التعصّب والعنف رغم التشنّجات التاريخيّة المعروفة التي وقعت بين التيّار الوطنيّ الديمقراطيّ اليساريّ وبين التيّار الإسلاميّ في بعض الأجزاء الجامعيّة في ثمانينات القرن الماضي. غير أنّ هذا التوتّر لم يغادر أسوار الجامعة أبدا فلم تتورّط فيه الجهات ولا العروش. بل إنّه لم يخرج عن الإطار الطلابيّ. فلم ينخرط فيه الأساتذة ولا الإداريّون ولم يتمّ إدراجهم فيه أصلا. لقد كان صراعا طلاّبيّا خالصا. ولعلّ الانفتاح على الحضارة الأوروبيّة بفعل التعليم، مرّة أخرى، والتبادل الثقافيّ والسياحيّ هو من العوامل المؤثّرة في هذا السّلم الاجتماعيّ.

من جهة أخرى، إنّ المتابع للمشهد السياسيّ الإسلاميّ التونسيّ المعاصر يدرك بيسر أنّ حركة النهضة لا يمكن أن تكون الممثّل الجامع لكلّ الإسلام السياسيّ في تونس. والدّليل على ذلك ظهور حزب التحرير ذي الشعارات الراديكاليّة الدّاعية إلى دولة الخلافة وإلى "الإسلام هو الحلّ". وهو الحزب الذي لم يؤشّر له بالعمل السياسيّ الشرعيّ، بعد أن رفض طلبه التأشيرة. وقد بدا هذا الحزب يتحرّك في السّاحة بعد 14 يناير/ جانفي مباشرة. ومنتسبوه يحرصون على التميّز عن منتسبي حركة النهضة على كلّ المستويات. فهم يفضّلون اللون الأسود إذ أنّ أزياءهم ولافتاتهم سوداء. كما أنّ تجمّعاتهم خارجة عن تنظيم حركة النهضة. وقد عملوا على تقديم أنفسهم في الشارع التونسيّ بشكل مستقلّ عن النهضة. بل إنّهم كثيرا ما حرصوا على تنظيم تحرّكات موازية لتحرّكات حركة النهضة على غرار التحرّكات الداعية إلى اعتصام القصبة 3، الاعتصام الذي لم ينجز، حيث اتّجه النهضويّون مع بقيّة الأطراف إلى القصبة فيما اختار أنصار حزب التحرير التجمّع أمام مقرّ وزارة الداخليّة في شارع بورقيبة الرئيسيّ.

ونحن في إطار قراءة واقع حركة النهضة الإسلاميّة السياسيّة التونسيّة وآفاقها في هذا المقال، فإنّنا نرصد ملاحظ غريبة متّصلة بتكوين إطارات الحركة وزعمائها. فعدا الشيخ راشد الغنوشي الذي يعدّ منظّرا إسلاميّا رغم تكوينه الفلسفي، فإنّ الحركة تفتقر إلى رجال الدين بين كوادرها، إذ أنّ أبرزهم من المحامين على غرار الشيخ عبد الفتاح مورو وسمير ديلو. كما أنّ التونسيّين لا يذكرون للحركة أيّة علاقة بجامع الزيتونة المرجع الدينيّ الكبير في العالم الإسلاميّ. فأساتذة الزيتونة وكليّة الشريعة وأصول الدين حافظوا على حيادهم الأكاديميّ. وبعضهم انضمّ إلى شُعب التجمّع الدستوريّ المنحلّ حزب بن علي المخلوع.

ولعلّ هذه الخصوصيّة هي التي جعلت الحركة حركة سياسيّة تطمح إلى الوصول إلى الحكم لا حركة فتويّة تحرّم وتحلّل، في خطابها الرسميّ الظاهر على الأقلّ، إذ أنّها تفتقر إلى أهل الحلّ والعقد. ولعلّ ذلك من حسناتها. فهل يعني غيابُ رجال الدين عن كوادر الحركة، أو ربّما تغييبُهم، افتقارَها إلى العمق التنظيريّ الإيديولوجيّ؟ أم أنّ الحركة تكتفي بتنظيرات الشيخ الغنوشي وبتصوّراته في مسائل نظريّة الحكم وتنظيم مؤسّسات الدولة والعلاقات الخارجيّة؟ أم أنّ الحركة لا تقبل العلوم النظريّة المنهجيّة الأكاديميّة القائمة على استثمار المعارف الإنسانيّة الحديثة في قراءة النصّ الدينيّ وفي إعادة قراءة التاريخ الإسلاميّ؟ وإذا كان هذا الرأي وجيها فإنّ حركة النهضة حركة لاديمقراطيّة وغير حداثيّة خلافا لخطابها المروّج في وسائل الإعلام.

وتعدّ مسألة المرأة مسألة شديدة الحساسيّة في تونس. ولذلك تعمل حركة النهضة على التعامل معها بحذر شديد. ولعلّ أعظم متاعب الحركة السياسيّة متأتّية من هذه المسألة. فالمجتمع التونسيّ غير المتديّن و غير الممارس واللائكيّ والحداثيّ والتقدميّ وحتى شقّ كبير من المتدينين لم ينسوا أبدا مواقف الإسلاميّين المتشدّدة تجاه المرأة حيث كانوا يعتبرون حتى صوت المغنّية عورة فما بالك بلباسها وزينتها!

ولا بدّ من التأكيد على أنّ المجتمع التونسيّ حريص حرصا لامتناهيا على مكاسبه الاجتماعيّة الحداثيّة التي احترق من أجلها مفكّرون وشعراء ومناضلون لاسيما الطاهر الحدّاد المفكّر والمناضل النقابيّ صاحب الكتاب الشهير "إمرأتنا في الشريعة والمجتمع" الذي يعدّ المرجع الأساسيّ الذي اتّكأ عليه الزعيم بورقيبة في الدفع نحو تأسيس مجلّة الأحوال الشخصيّة التي أعادت تنظيم العلاقات الاجتماعيّة بين الجنسين وعدّلت في الحقوق والواجبات بينهما. ولذلك لا يأمن التونسيّون جانب من يرونه غير صادق في إعلان الوفاء لمكاسبه ولتاريخ مناضليه ومفكّريه. ومن هنا تجد حركة النهضة نفسها دائما متّهمة بإضمار الانتكاس والالتفاف على مكتسبات مجلّة الأحوال الشخصيّة لاسيما التشريعيّة منها.

ومن تكتيكات الحركة لتجاوز هذه المعضلة استقطاب أكثر ما يمكن من النساء إلى صفوفها وحتى ضمّهنّ إلى مكتبها التنفيذيّ. كما أنّها وظّفت إمرأة من ضمن ممثّليها في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والانتقال الديمقراطيّ والإصلاح السياسيّ. وقد واقفت الحركة، بعد تردّد قصير، على الفصل 15 الشهير الذي يقضي بمبدإ التناصف بين الرجل والمرأة في القائمات الانتخابيّة المترشّحة لانتخابات المجلس الوطنيّ التأسيسيّ المقرّرة في 23 أكتوبر 2011. ووعدت بأنّها ستحترم هذا المبدأ في قوائمها.

وللتوضيح فإنّنا نشير إلى أنّ مبدأ التناصف في القائمات الانتخابيّة لا قيمة له في نظام الانتخاب على القوائم إلاّ إذا كان رؤساء القوائم من الرجال والنساء على السواء. وقد وعدت حركة النهضة بأن تعمل على أن تحظى المرأة برئاسة الكثير من قوامها. فهل هذه علامة على حداثيّة الحركة وديمقراطيّتها؟ أم إنّ الحركة ستضرب المرأة بيدها إذ أنّها تعدّ للالتفاف بالمرأة نفسها على مكاسب المرأة لاسيما أنّ إحدى المنتميات إلى المكتب السياسيّ للحركة كانت قد أعلنت للقناة الوطنيّة التونسيّة الأولى أنّ مجلّة الأحوال الشخصيّة ليست قرآنا منزّلا وأنّ مراجعتها ممكنة؟ ولكن مراجعتها في أيّ اتّجاه؟ وبأيّ معنى؟

فيما يتعلّق بالانتشار الطبقيّ للحركة في المجتمع التونسيّ، نلاحظ مرّة أخرى غياب الإحصائيّات الدقيقة. غير أنّه بإمكاننا أن نسجّل أنّ التديّن في تونس أنواع. منه التديّن الفولكلوريّ؛ نعني به تديّن العمامة والجرّة المبنيّ على الإيمان بالخرافة والخوارق والسحر. وهو ليس مجال بحثنا في هذا المقال وإنّما في آخر قادم. أمّا التديّن السياسيّ الذي يعنينا فهو منتشر أساسا بين الفئات الفقيرة والمحرومة لاسيما في أحزمة العاصمة والمدن الكبرى من الأحياء الشعبيّة المكتظّة حيث تكثر البطالة والجريمة والعنوسة واليأس. وفي هذه المناطق يمتلك الخطاب الوعديّ التأجيليّ سطوة وعلى المريدين وفتنة لهم. والنهضة تمتلك قواعد أيضا بين الطبقة الوسطى لاسيما في أوساط المدرّسين والمحامين وصغار التجّار والحرفيّين وحتى الأطبّاء والموظّفين العموميّين في مختلف القطاعات والإدارات.

أمّا في الطبقة الغنيّة وبين الفئات المرفّهة والميسورة فقواعدها شبه معدومة نظرا لطبيعة المصالح. فهذه الفئات تتحالف في أغلب الأحيان مع السلطة القائمة لتحافظ على ثروتها مقابل رِشًى وهبات تقدّمها. كما أنّ السلطة هي الكفيلة بضمان ثروة هذه الفئة بحكم امتلاكها للأجهزة البوليسيّة التي تتكفّل بمهمّة الحراسة عادة. كما تحتفظ الحركة بقواعد نسبيّة لها في مختلف جهات تونس لاسيما في الشمال والجنوب. ولا يمكن لنا موضوعيّا أن نصنّف جهة من جهات تونس بأنّها نهضويّة أو قوميّة أو عمّاليّة أو ليبراليّة.

النقطة الأخيرة في هذا العنصر هي علاقة حركة النهضة بالمجتمع السياسيّ في تونس. ونسجّل هنا أنّه ليس للحركة أصدقاء لا بين اليساريّين ولا بين القوميّين ولا بين الليبراليّين. فخلاف الحركة مع الليبراليّين خلاف فكريّ متّصل بالمرجع مفاده مسألة الحريّات، المطلقة عند الليبراليّين والمقيّدة عند الإسلاميّين، وميل اللبراليّة إلى الاغتذاء الكامل من المراجع الفكريّة والحضاريّة والرأسماليّة الغربيّة خلافا للحركة التي ترى حلول المآزق كلّها في العقيدة الإسلاميّة كتابا وسنّة وتاريخا. فالليبراليّة في نظر الحركة إيديولوجيا تغريبيّة مائعة غير أصيلة ولا يمكن أن تحقّق التأصيل.

أمّا علاقة الحركة باليسار التونسيّ فعلاقة متوتّرة منذ خلاف الثمانينات في الجامعة أثناء الحياة الطلابيّة وكنّا تحدّثنا عنه منذ حين، على خلفيّة ما وقع خلال المؤتمر 18 لاتّحاد الطلبة الذي شهد انقلابا وإلغاء وانسحابات. وقد أنشأ اليساريّون ما سمّي حينها بالهياكل النقابيّة المؤقّتة التي قادها اليساريّون أنفسهم من أمثال شكري بلعيد ومحسن مرزوق وسفيان بن فرحات وسمير العبيدي وغيرهم. وكان الهدف هو النضال من أجل عقد المؤتمر 18 الخارق للعادة واسترداد الاتّحاد العامّ لطلبة تونس من الاتّحاد العامّ التونسيّ للطلبة.

وقد تنامى الخلاف بين الحركة واليسار بعد ذلك في التسعينيّات لاسيما إثر توتّر العلاقة بينها وبين حزب العمّال الشيوعيّ بعد الإمضاء على الميثاق الوطنيّ وشروع النظام النوفمبريّ في نصب المكائد للجميع. وقد وقع البعض فيها بيسر. ولا نريد العودة إلى التفاصيل. ولكنّنا نريد أن نؤكّد أنّ اتّفاق 18 أكتوبر 2005 الذي جمع حزب العمّال الشيوعيّ بحركة النهضة إضافة إلى أطراف أخرى، لم يلغ أبدا الخلافات الإيديولوجيّة والسياسيّة بينهما. وحمّة الهمامي الناطق الرسميّ باسم حزب العمّال الشيوعيّ تلقّى الكثير من النقد من رفاقه اليساريّين ومن العلمانيّين بسبب هذا الاتّفاق. ولكنّه أصرّ عليه. وهو اليوم يحرص في كلّ مناسبة على التذكير بأنّ هذا الاتّفاق قد زال بزوال شروطه. فقد عُقد جبهةً لمقاومة النظام. وقد زال النظام برمّته. فلا حياة للاتّفاق بعد ذلك.

وتوتّر علاقة الحركة بالتيّارات القوميّة البعثيّة منها والقوميّة الناصريّة والقوميّة التقدميّة يعود إلى أساسا مسألة الأصل الأوّل. فالتيارات القوميّة ذات أصول إسلامويّة. غير أنّها كانت سبّاقة في الانقضاض على المَلَكيّة المتهاوية في مصر وسوريا والعراق وليبيا. وقد بارك الإسلاميّون لاسيما الإخوان في مصر وسوريا وصول القوميّين إلى الحكم. وشرع الحلم بالمشاركة والفعل السياسيّين يدغدغهم خاصّة أنّ الاتّفاق في المنطلقات كان حاصلا. والمنطلقات كانت أساسا تحرير الأرض وطرد اليهود من أرض العروبة والإسلام والتصدّي لمشاريع الغرب التوسّعيّة وتأميم الثروات الوطنيّة.

لكنّ الأمور بدأت تسوء بعد تسرّب اليأس إلى زعماء الإخوان، لاسيما سيّد قطب، من حكم عبد الناصر الفرديّ التوتاليتاريّ الذي لم يحرّر الأمّة ولم يطبّق الشريعة ولم يطرد اليهود. وانتهى الخلاف الذي لم يخل من عنف السلاح إلى إعدام سيّد قطب بعد التنكيل به وبغيره من الإسلاميّين في السجون والمعتقلات. ثمّ سرعان ما حسم الإسلاميّون في الإيديولوجيا القوميّة بعد هزيمة 67 حيث رأوها عاجزة عن تنفيذ المهامّ المرجوّة. وشكّلوا جبهة سياسيّة تعمل على الوصول إلى السلطة لتحقيق ما عجز عنه القوميّون. لكنّهم لم يحصلوا عليها إلى اليوم. إذن، ورثت الحركات الإسلاميّة، لاسيما حركة النهضة، هذا العداء مع التيّارات القوميّة إلى اليوم. وهو ما نراه في المشهد السياسيّ التونسيّ المعاصر بعد ثورة 14 جانفي. إذن، ليس للحركة صديق سياسيّ ولا حليف ولا مجير في الساحة السياسيّة التونسيّة اليوم. فهل لها منهم بعضا خارج الحدود؟

إنّ الفحص والتقييم اللذين أجريناهما على واقع حركة النهضة في تونس على كلّ المستويات السياسيّة والاجتماعيّة والإعلاميّة والتنظيميّة يمكّننا من أن تستنتج أنّ للحركة استراتيجيا انتخابيّة خاصّة. فلا يمكن أن نتوقّع أنّها قد تعقد تحالفات انتخابيّة صريحة أو تدخل في أقطاب سياسيّة معلنة. والرّاجح أنّها ستخوض محطّة المجلس الوطنيّ التأسيسيّ الانتخابيّة القادمة بشكل فرديّ. وإن كان الدّاعي إلى ذلك ما أشرنا إليه من غياب الصديق والحليف بالدّرجة الأولى، فإنّه لا بدّ من الاستنتاج أنّ هذا الخيار يتضمّن إعلانا من الحركة بثقتها الكبيرة في قواعدها الوفيّة وفي مواردها الكفيلة بتغطية نفقاتها الانتخابيّة الباهظة.

كما يمكن التكهّن بأنّ الحركة قد تلجأ إلى تكتيك انتخابيّ يتمثّل في عقد اتّفاقات سريّة تقضي بتقاسم أصوات الناخبين مع بعض الأطراف في بعض الدوائر الانتخابيّة المؤثّرة حتى يربح المتّفقان أو المتّفقون ويخسر البقيّة. غير أنّ الحركة لن تقبل أن تكون طوق نجاه للأطراف الضعيفة من الأحزاب والحركات الناشئة ومن غيرها التي ترى الحركة أنّها تخدم أجندات غير وطنيّة لاسيما مشتقّات حزب الدستور المنحلّ والأحزاب التغريبيّة. أمّا الأحزاب والأطراف الوطنيّة التاريخيّة المناضلة فلا يوجد مانع لدى الحركة من عقد صفقات انتخابيّة معها حتى وإن كانت من الخصوم الإيديولوجيّين لها. والمتابع للمشهد السياسيّ التونسيّ المدقّق فيه يمكنه أن يلتقط هذه الإشارات بيسر تامّ.

موقع حركة النهضة في المحيطين الإقليميّ والدوليّ

إنّ الإسلام السياسيّ ملاحق مطرود من قبل الأنظمة الغربيّة جميعها في كلّ القارّات. فليس له أصدقاء بينها. فلئن اختلفت أنظمة الحكم الغربيّة إيديولوجيّا، ولئن تضاربت مصالحها وتصادمت، فإنّها تتّفق جميعا على معاداة الإسلام السياسيّ والتحالف ضدّه. وإن كانت بريطانيا قد احتضنت رموزه فليس حبّا وتقديرا واحتراما للديمقراطيّة وللحريّة كما يعرف الإسلاميّون أنفسهم، وإنّما لاستعمالهم ورقات ضغط لمساومة الأنظمة المارقة أو التي لا تفيض في تدعيم المصالح الغربيّة لديها كالجزائر في التسعينيّات، مثلا

إنّ النّاظر في الخارطة الجيوسياسيّة للإسلام السياسيّ في العالم يلاحظ أنّ هناك امتدادات وفراغات من الشرق الأقصى إلى الشرق الأوسط. فلقد ضُمن الامتداد بشكل أفقيّ من باكستان إلى أفغانستان إلى إيران دون عوائق جغرافيّة. لذلك عمد الغرب على قطع هذا الامتداد عبر التدخّل العسكريّ في كلّ من باكستان وأفغانستان لعزل إيران جغرافيّا أوّلا عن هذه العيون والروافد الإسلامويّة، وسياسيّا عبر توتير العلاقات بينها وبين جيرانها العرب في الخليج العربيّ، حيث تتعاظم قيمة المصالح الغربيّة، ثانيا.

هذا الامتداد الإسلامويّ يقفز من إيران على العراق وسوريا في اتّجاه جنوب لبنان فقطاع غزّة. هذا يعني أنّ هناك انقطاعا في هذا الامتداد ضمنه التواجد العسكريّ الأمريكيّ في العراق وكان يضمنه النظام البعثيّ السوريّ المعاديّ للإسلام السياسيّ، كما رأينا سابقا. غير أنّ النظام السوريّ الذي يقمع الإخوان المسلمين السوريّين يحتضن إسلاميّي حركة حماس السنّة وإسلاميّ حزب الله الشيعة ويوفّر لهم الحماية والدعم دون أن ينشطا داخل الأراضي السوريّة. وإنّما نشاطهما موجّه إلى الخارج لاسيما داخل لبنان والأراضي الفلسطينيّة المحتلّة ضدّ العدوّ الصهيونيّ.

هذا يعني أنّه لو نجحت الثورة السوريّة اليوم في خلع النظام السوريّ فإنّ ذلك سيمكّن الغرب من التخلّص من عدوّين؛ النظام السوريّ الذي كثيرا ما أتقن اللعب بالبيضة والحجر، من جهة، والإسلام السياسيّ المطمئنّ في أرض سوريا والذي يهدّد البنت الربيبة للغرب؛ ابنة صهيون، من جهة ثانية. فالساحة السوريّة ساحة عدوّة للغرب أوشكت أن تصبح صديقة، وأوشك أن يخسرها الإسلام السياسيّ في المقابل.

غير أنّ أمام الغرب ساحات أخرى مفتوحة على كلّ الاحتمالات فيما يتّصل بتواجد الإسلام السياسيّ فيها هي الساحات التي انتفضت وثارت وكنست أنظمتها الفاسدة، وهما الساحتان التونسيّة والمصريّة، والساحات التي لازالت تصارع من أجل ذلك وهما الساحتان اليمنيّة في المشرق والليبيّة في المغرب. ولئن تمّ تفنيد وجود الإسلام السياسيّ الجهاديّ في ليبيا فإنّ وجوده في اليمن أكيد منذ سنوات ممّا يهدّد بمزيد امتداد الامتداد الجيوسياسيّ للإسلام السياسيّ الذي دفع الغرب ثمنا باهظا من أجل قطع أوصاله.

والنتيجة التي نخلص إليها من هذا الرصد الجيوسياسيّ للإسلام السياسيّ في العالم، وفي العالم الإسلاميّ بشكل خاصّ، نلاحظ أنّ معركة الغرب ضدّه بعيدة جدّا عن الحسم رغم أنّ استراتيجيّة الغرب في قطع امتداده الجغرافيّ قد نجحت في تحجيمه وكبح عمليّاته الجهاديّة والدعويّة. والملاحظ أنّ الغرب لم يتراجع عن سياساته المعادية للإسلام السياسيّ وإن تبدّل حكّامه. لذلك لا يمكن أن نتوقّع أن ينظر الغرب إلى أيّ حركة إسلاميّة سياسيّة في أيّ نقطة من الوطن العربيّ بعين القبول والترحيب والرضى مع أنّه لا يتوقّف عن ترديد شعاراته الديمقراطيّة القائلة بحقّ الجميع، والإسلاميّون منهم، في التنظّم السياسيّ وفي النشاط المدنيّ الاجتماعيّ.

بل إنّ وزير الخارجيّة الفرنسيّ ألان جوبي (Alain Jupé ) قد أعلن بأنّ الوقت قد حان للإصغاء إلى الإسلاميّين والتحاور معهم. ولقد رأينا حركة النهضة ترسل مبعوثيها إلى العاصمة الأمريكيّة والعواصم الأوروبيّة لطمأنتها عبر تأكيد وسطيّة الحركة ونبذها للتطرّف وللإيديولوجيا الجهاديّة. بل لعلّها تقدّم نفسها باعتبارها يمكن أن تكون وعاء قادرا على استيعاب الشباب المتديّن وتأطيره وتكوينه مدنيّا وتلطيف غلوائه وتطرّفه لو لقيت الدعم والمساندة. وهذا الاقتراح قابل للنقاش والمتابعة ولاختبار النوايا بين الحركة وبين الغرب الذي كانت له سوابق سوداء مع الإسلام الجهاديّ لا يمكن أن ينساها. ومثال أسامة بن لادن خير دليل على ذلك.

وإذا نظرنا إلى المحيط الإقليميّ لحركة النهضة، فإنّنا نلاحظ أنّه ليس أقلّ سوءا جيوسياسيّا من المحيط الدوليّ. فلتونس جارتان على الحدود؛ الجزائر غربا وليبيا جنوبا. أمّا الجزائر فإنّها مكتوية بجحيم تجربة التسعينيّات حيث سالت دماء مئات الآلاف من الجزائريّين بسبب تجربتها الديمقراطيّة. وهي لا تنظر إلى الإسلام السياسيّ إلاّ بتحفّز ويقظة وقلّة ثقة وخوف، أيضا. فهي لم تنجح في إنهاء تواجد السلفيّة الجهاديّة من على أراضيها. فماذا لو وجدت هذه السلفيّة جارا حليفا يدعمها ويوفّر لها ما تحتاجه؟

وأمّا ليبيا فإنّها تئنّ تحت سنين الهلوسة القذّافيّة. فالشعب غنيّ جدّا بالثروات الطبيعيّة. لكنّه يعاني من تخلّف ثقافيّ وعلميّ وعمرانيّ واجتماعيّ رهيب. ألا تفتقر ليبيا الشاسعة إلى سكّة الحديد رمز الحضارة الصناعيّة المعاصرة؟ وقد كنّا أشرنا سابقا إلى أنّ الفقر واليأس هما من أخصب الأرضيّات التي ينبت عليها الإسلام السياسيّ. غير أنّهما أرضيّتان غير متوفّرتين في ليبيا الثائرة المزهوّة بثورتها المشرئبّة إلى التمدّن والتحديث، بعد القذّافيّ، متّكئة على ثرواتها الطبيعيّة الضخمة في مجال الطاقة وثرواتها الطبيعيّة الأخرى المهملة لاسيما امتداد المساحة والاستثمار الزراعيّ. ولهذا لا يبدو الشعب الليبيّ مهتمّا بأطروحات الإسلام السياسيّ الجهاديّ.

هكذا نخلص إلى أنّ الحلقة تضيق على حركة النهضة ، بل إنّها تنغلق. فلا صديق في الدّاخل ولا حليف في الخارج إقليميّا ودوليّا. هذا الوضع يجعل آفاق حركة النهضة الإسلاميّة السياسيّة التونسيّة شبه مسدودة. ويجعل طموحها في الحكم طوباويّا بعيد المنال في هذه المرحلة على الأقلّ. ولعلّ الحركة تدرك ذلك تمام الإدراك ممّا يجعلها تسطّر استراتيجيا سياسيّة بعيدة المدى تقوم على المرحليّة وطول النفس والصبر، وللحركة مع الصبر حكاية لو روتها لاستجارت من رمالها الصحراء، بعبارة نزار قبّاني!!.

فليس من الحكمة، والحال كما شخّصناها، أن تسعى الحركة إلى الفوز بالأغلبيّة في انتخابات المجلس الوطنيّ التأسيسيّ. بل لعلّها ستسعى إلى تحديد نصيبها بنفسها حتى لا تخيف الداخل ولا ترعب الخارج. ثمّ ستعمل على محاولة تأكيد نواياها ووعودها الديمقراطيّة المتمثّلة في المشاركة الإيجابيّة البنّاءة في المحافظة على المكاسب الاجتماعيّة وتدعيمها وفي بناء دستور ديمقراطيّ عادل يمنح الحكم للشعب لا للحاكم ويبني دولة قانون ومؤسّسات تحمي الحقوق والحريّات. هذه هي المرحلة الأولى

المرحلة الثانية من استراتيجيا النهضة وتكتيكها السياسيّ ستكون التنافس الشرس على الحكم مهما كان النظام السياسيّ الذي سيتمّ سنّه والاتّفاق حوله؛ رئاسيّا كان أو برلمانيّا أو مشتركا. بمعنى آخر قد تؤجّل الحركة حلمها بالحكم إلى المرحلة التالية لمرحلة المجلس الوطنيّ التأسيسيّ. وقد تكون قد شرعت بالفعل في العمل على هذه الاستراتيجيا. وهو ما يؤكّده تأكيد الحركة على أنّها لا ترغب في الاستئثار بالحكم بل في المشاركة فيه فقط. فهل ستكون الاستراتيجيا السياسيّة لحركة النهضة استراتيجيا وطنيّة صادقة أم ستكون استراتيجيا استدراجيّة تُظهر التواضع والشراكة وتغطّي الحلم الأوّل للزعماء الروحيّين المؤسّسين في إقامة إمارة إسلاميّة في المغرب العربيّ تكون شوكة في جنب الغرب وسندا لإخوان الشرق من أجل بناء الهلال الإسلاميّ؟ نحن قرأنا المعطيات الجيوسياسيّة والاستراتيجيّة والتكتيكيّة ونحلّلها ونتأوّلها. و لم نقرأ النوايا ولا الغيب، كما قد يقول المعارضون.

الهوامش:

1- أقصد بالتيّارات التاريخيّة تيّارات اليسار وأجنحته المختلفة والتيّارات القوميّة بمختلف مرجعيّاتها. ووصفتها بالتاريخيّة لأنّ وجودها سابق على الثورة. وكانت ناشطة في السرّ. ومارست دورها في معارضة النظامين البورقيبيّ والنوفمبريّ والتصدّي لسياساتهما غير الوطنيّة.

2- الحقيقة أنّ حلقات النقاش هذه كان أغلبها سطحيّ إيمانيّ دوغمائيّ يفتقر إلى التمكّن العلميّ والمنهجيّ. وهي في باب المزايدات السياسيّة وفي التجريب الديمقراطيّ أدخل.

3- خلافا للتيّارات السياسيّة اليساريّة الراديكاليّة التي أعجزتها أوهام زعاماتها الفرديّة عن التقارب والتحالف. بل إنّنا نراقب باستغراب أنواع التحالفات القائمة بين بعضها وبين تيّارات أخرى لا تلتقي معها في شيء تقريبا منها القوميّة والبعثيّة والوسطيّة والليبراليّة وغير المصنّفة. ولم تجد تيّارات اليسار أرضيّة للتحالف فيما بينها رغم التقاطعات الكبيرة الإيديولوجيّة والتاريخيّة والاجتماعيّة القائمة بينها!! وسنعود إلى تقييم واقع اليسار التونسيّ ومناقشة اختياراته الاستراتيجيّة في مناسبات قادمة.

4- من بين المتكلّمين كثيرا باسم الحركة في وسائل الإعلام: الصحبي عتيق ولطفي زيتون وسمير ديلو والشيخ راشد الغنّوشي والشيخ عبد الفتّاح مورو ونورالدين البحيري وعبد الحكيم الهاروني. ومن أقلّهم ظهورا إعلاميّا علي العريّض وحمادي الجبالي رئيس المكتب التنفيذيّ للحركة.

5- أغلب زعماء الحركة يرتدون الزيّ الإفرنجيّ المتمدّن. فهم يتأنّقون بالبدلات وبربطات الأعناق. ويحرصون على حلق لحيّهم وتصفيف شعورهم وشواربهم. وليس بينهم من يرتدي العمامة ولا حتى الشاشيّة أو الجبّة (باستثناء الشيخ مورو الذي يحرص على الظهور بالزي التقليديّ التونسيّ) أو الزيّ الإسلاميّ المعروف، خلافا للقواعد طبعا التي تحرص على الزيّ الإسلاميّ المميّز لها وعلى إطالة اللحيّ ما شاء لها أن تطول وعلى اعتمار الشاشيّة وعلى الهرولة إلى المساجد وعلى السير جماعة وعلى استوقاف العابرين في الشوارع لهدايتهم إلى ما يقولون إنّه سبيل الحقّ والإيمان وعلى وعدهم بالنعيم النهضويّ في الدنيا قبل الفردوس الإلهيّ في الآخرة.

6- هي جريدة "الفجر"

http://www.alawan.org/%D8%A2%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9.html/

2 comments:

Anonymous said...

[url=http://www.baojimodel.com/bbs/forum.php?mod=viewthread&tid=320111]cheap beats by dre[/url] Giuseppe Zanotti sand wedge get shoe dark colored surges ainsi. Revint le saut cloche r el. spea traditionnelle isabel marant prise lectrique isabel marant chaussures the amazon marketplace. "Biiiiiip, Il others regarde. "5 fautes, C'est juste, Mais c'est bon, You might choose to give to them up to date compact disks via your most preferred rings, A cost over to a display and also a music player itouch. holiday, without a doubt nothing shades and tones the specific "bests" to health professional. Dre, A brand of up-market headphones and this buy exactly the best sound good.


[url=http://googlegm.weclub.info/viewthread.php?tid=19295&extra=]beats solo by dre[/url] The Bichon Frisé is actually a very radiant small amount of dog that is much more substantial along with irreverent as most of the other toy vehicle brings with it. Its known as a german breed however a fact root base not necessarily completely famous. in order to royal engagement, it likely originated for an early water spaniel, however, many feel that ocean adventurers brought it oh no - the mediterranean the actual Canary destinations sometime in the 14th century.


http://www.beatsbydrepad.com who also hasn been aware of fatality line notes, It is one of the very few list albums typically dominated the gangster rap graphs for years. at least 50 million replicates of recording occur got rid of international which unfortunately gained a whole lot of earnings. the most important loss of line items is discovered in 1991 courtesy of Suge knight additionally re "doctor.

Anonymous said...

I'm curious to find out what blog system you're using?

I'm having some minor security problems with my latest website and I would like to find something more secure. Do you have any suggestions?

Also visit my web page ... Abercrombie Bruxelles