Search This Blog

Tuesday, July 26, 2011

Salah Karkar: qui s'en souvient?

قراءة في قرار النهضة فصل صالح كركر من صفوفها

في الرابع و العشرين من شهر أكتوبر2002 الماضي اتخذت حركة النهضة الإسلامية بتونس قرارا من أهم وأخطر القرارات التي اتخذتها منذ نشأتها. وقد تمثل هذا القرار في فصل صالح كركر من صفوفها. والجدير بالذكر أن هذا الأخير هو أحد المؤسسين الثمانية للحركة الإسلامية في تونس. و يعتبر بدون منازع الأب التنظيمي للحركة و أحد أهم المنظرين لها و رجل المؤسسة الأول فيها.

و قد كان أول مسئول عن المؤسسة التنظيمية بالحركة، وبقي على رأسها طيلة العشرية الأولى التي عقبت تاريخ التأسيس. وتحمل لمدة طويلة نيابة رئاسة الحركة ورئاسة مجلس الشورى فيها ثم رئاسة الحركة سنة 1987 وقاد صحبة ثلة طيبة من إخوانه المواجهات التي حصلت بين الحركة والسلطة والتي انتهت بسقوط بورقيبة من الحكم على إثر انقلاب قام به ضده وزيره الأول الجنرال بن علي.

وإذا استثنينا السيد صالح بن عبد الله البوغانمي، أحد المcسسين الثمانية، و الذي لا نعرف وضعيته التنظيمية الحقيقية في الحركة حاليا، يعتبر السيد راشد الغنوشي، بعد فصل صالح كركر، هو آخر الأعضاء المؤسسين الذي بقي في الحركة رغم أن كل المؤسسين لا يزالون على قيد الحياة.

فهل يعني ذلك أن السيد الغنوشي قد حصل بشكل أم بآخر على كل أسهم المشاركين له في التأسيس، وحول الحركة إلى ملكية خاصة له أم أن الأمر لا يعدو أن يكون أكثر من مجرد صدفة بعيدة عن كل إرادة تصفوية مبيتة أو غير مبيتة؟

فمنذ تأسيس الحركة بقي صالح كركر وفيا لطبيعته كمؤسس، مهموما بمسألة التجديد والإبداع في الحركة، وجعلها حركة حديثة ومتطورة وقائمة على مؤسسات عصرية قوية وعلى أسس علمية أصيلة، وجعلها متمشية دائما مع واقع المجتمع، قريبة منه، مستجيبة لمطالبه وهمومه، وهو ما أكسب الحركة شعبية واسعة فريدة من نوعها في البلاد.

و لم تكن مهمة صالح كركر في هذا التوجه و في هذه المجالات سهلة. فقد واجه منذ وقت مبكر صعوبات جمة ومعارضة شديدة من قبل القيادة وأعوانها المقربين مما اضطره في أكثر من مناسبة إلى الاستقالة من المسؤولية التي يتحملها. فأمام استحالة التناغم بينه و بين رئيس الحركة اضطر إلى الاستقالة من نيابة رئاسة الحركة، وكذلك من رئاسة مجلس الشورى.

و بعد خروجه من السجن في شهر أوت من سنة 1984 خرج مصحوبا بورقة أعدها في السجن تستهدف تحوير البنية التنظيمية للحركة و تقنين مهمة رئاسة الحركة في اتجاه الحد منها وربطها برقابة أشد من قبل المؤسسات وعموم أعضاء الحركة و بالحد من عدد الترشحات المتتالية لرئاسة الحركة بالنسبة لنفس الشخص. وكان من المنتظر أن تكون تلك الورقة من جملة الورقات التي سيناقشها المؤتمر العام للحركة الذي عقد في شهر نوفمبر من سنة 1984.

ورغم أن الورقة وقع تسليمها من طرف الأخوين صالح بن عبد الله البوغانمي ومحمد شمام للجنة تنظيم المؤتمر إلا أنه وقع حذفها عمدا ولم تكن ضمن بقية الأوراق خلال المؤتمر مما تسبب في ضجة خلال أعماله كادت تؤول إلى انفضاضه قبل انتهاء أشغاله. وقد تعرضت محاولات صالح كركر لتطوير الحركة في اتجاه المرونة والواقعية والانفتاح منذ البداية إلى صعوبات جمة. و قد حول المناوئون هذه الاجتهادات عن وجهتها الحقيقية و قدموها على أساس أنها مجرد شكل من أشكال الصراع على القيادة بين كركر والغنوشي، بينما لم تكن تلك هي الحقيقة.

وبعد فشل مشروع الحركة في مواجهة نظام الجنرال بن علي، وما تسبب فيه ذلك لما يزيد عن الخمسين ألف من أعضائها ومتعاطفيها من معتقلات مع التعذيب الوحشي والذي أدى أيضا بالعديد من العشرات إلى الموت، وإلى أعداد غفيرة أخرى إلى الطرد من الشغل والتجويع، و إلى التشريد والمنافي في كافة أصقاع الدنيا، انتبه صالح كركر إلى فداحة الكارثة و شعر بالأضواء الحمراء تشتعل أمامه من كل مكان وأدرك بحسه المرهف أن الحركة لم يعد يمكنها أن تواصل السير كما درجت عليه من قبل حصول الكارثة.

فأصدر الصيحة تلوى الصيحة و النداء تلوى النداء إلى كل أعضاء الحركة و قيادتها مطالبا بالقيام بنقد ذاتي حقيقي صريح وتخلي القيادة التاريخية عن مهامها القيادية، وإحداث ثورة جذرية على فكرة التنظيم والأهداف والمناهج في الحركة قبل أن يزهد فيها أعضاؤها من داخلها وتفر من حولها عنها الجماهير المتعاطفة معها من خارجها. فأصمت قيادة الحركة كعادتها آذانها و آثرت سياسة الهروب إلى الأمام.

وجدد المقربون من القيادة المباشرة هجومهم على صالح كركر واتهموه بالتهافت على افتكاك القيادة من الغنوشي تارة وبتأسيس تنظيم موازي لتنظيم الحركة تارة أخرى، حتى وضع كركر تحت الإقامة الجبرية بسعي أكثر من طرف على رأسها الجنرال بن علي نفسه. وبإبعاد كركر عن ساحة الفعل تنفس العديد من المناوئين له من داخل الحركة و من خارجها الصعداء وفرحوا فرحة الشامت والمستفيد من هذه المصيبة التي حلت بصالح كركر. وحسب هؤلاء أن صفحة كركر طويت بدون عودة.

و نسي جميعهم قول الله تعالى: "و عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم".

إن المنفى لا يمكن أن يكون في نظر العـقلاء إلا مكروها وشرا يحل بالإنسان. إلا أنه من حكمة الله أن الشر لا يمكن في الغالب أن يكون شرا مطلقا وإنما شر بين يصحبه خير غير بين. كما أن الخير ليس هو كذلك دائما وإنما هو خير في ظاهره يصحبه شر غالبا ما يكون خفيا. وقد استطاع السيد صالح كركر أن يحول محنته إلى منة، ويحول ضيقه إلى سعة، فاغتنم ظروف عزلته في إقامته الجبرية اغتنمها في القراءة والبحث والتأمل، خاصة في وضع العالم وتوازناته، وفي وضع المنطقة والبلاد والتطورات التي تمر بها. كما اهتم على وجه الخصوص بالحركة الإسلامية في العالم عموما وتابع مسيرتها منذ تأسيسها، وتوقف عند أهدافها ومناهج عملها وخطابها على المستوى النظري وممارساتها في الواقع. كما توقف أيضا عند علاقة الحركة الإسلامية بمسألة الحكم على المستوى النظري و بالحكام والأحزاب السياسية الأخرى في المعارضة على مستوى الواقع.

وقد خرج كركر من كل تلك القراءات و الأبحاث و التأملات باستنتاجات عدة نذكر منها:

ـ على مستوى الحركة ذاتها الفصل بين ما هو ديني وسياسي فصلا كاملا. فينهض العلماء والأئمة والوعاظ والدعاة والمفكرين وغيرهم إلى التشكل في جمعيات متنوعة ومتعددة تخدم كل ما هو علوم شرعية وفكر إسلامي واجتهاد و ثقافة ومساجد ودعوة وغير ذلك خارجا عن كل نشاط سياسي يشارك في السباق إلى الحكم. كما يبقى الباب مفتوحا أمام الراغبين في النشاط السياسي من المقتنعين بالإسلام والفكرة الإسلامية للمشاركة في أحزاب سياسية عقلانية تحترم دساتير ومؤسسات و قواعد العمل السياسي في بلدانها.

ـ يستحسن تجنب قيام أحزاب على أساس تطبيق الشريعة بالشكل الذي هي عليه الآن، على أن تقوم بدلا من ذلك على أساس برامج عقلانية تقترب من الإسلام والحماس له وتبتعد عنه بحسب توجهات وقناعات أصحبها.

ـ تبقى كل الأحزاب السياسية القائمة متساوية أمام مسألة الحماس لخدمة الإسلام وتعاليمه دون أن يتميز أحدها بالوصاية على ذلك.و بناء على كل ذلك فالشعب هو وحده الذي يوزع ثقته بين الأحزاب كما يشاء و بما يراه مناسبا.

هذا التوجه الفكري والاستراتيجي بالإضافة إلى العديد من المواقف السياسية و الحركية لم ترق للقيادة المباشرة على رأس الحركة وحذرت صاحبها عن طريق المراسلات المكتوبة من مغبة المواصلة في هذا الطريق ولمحت له مهددة إياه إلى إمكانية فصله من الحركة في بعض المراسلات إذا ما هو أصر على ذلك. إلا أن ذلك لم يثن صالح كركر عن توجهه وعن عزمه على السير فيه إلى نهايته. و قد كان لذلك صداه الكبير داخل الحركة و خارجها، وهو ما زاد من قلق قيادة الحركة و من حرجها الشديد.

وقد اجتمعت أسباب عدة أدت في النهاية إلى اتخاذ قرار بفصل كركر من الحركة التي ساهم في تأسيسها. من تلك الأسباب تشبث قيادتها التاريخية بموقع القيادة ورفضها تركه, ومنها أيضا رفض القيادة وأعوانها للفكر المقابل ولمناقشته وقلة صبرها عليه مما يشكك في قدرتها على قبول غيرها من خارجها في صورة تمكنها من السلطة. ومنها كذلك تغلب فكرة التحزب الأعمى على مفهوم الفكرة في ذاتها لدى القيادة و أعوانها، فالولاء للشخص والتنظيم أصبح مقدما على احترام الفكرة والصبر عليها ومناقشتها. ومنها غياب المؤسسات القوية والتوازنات القيادية التي عرفت بها الحركة من قبل. فمعظم قيادات الجيل الأول والجيل الثاني ممن عرفوا بقوة شخصياتهم واستقلاليتها وتنوعهم الفكري هم في حالة غياب بسبب السجن و المهاجر والاستقالات بعد نفاد الصبر.

كل هذه الأسباب و غيرها أعاقت الحركة من مصداقيتها وتركت المجال فسيحا أمام القيادة الحالية لتتصرف كما تشاء في غير رشد ولا حكمة ولا هدى فأخذت قرار الفصل هذا في غير حكمة ولا حنكة سياسية ولا هو من حقها مطلقا.

والحيثيات التي اعتمدتها هذه القيادة لاتخاذ قرارها بالفصل هي في الحقيقة لا تصلح لاتخاذه حيث أنها تمثل حقوقا لكل عضو في حزب سياسي عصري يقوم على مبدأ احترام أفراده وحريتهم في التفكير والتعبير.

فالجرم الأول الذي نسب لكركر منازعته لمنهج الحركة التغييري قولا وعملا. ويذكر كركر أنه منذ وقت طويل أصبحت له مؤاخذات كبيرة على منهج الحركة التغييري، وعبّر عن ذلك في مؤسسات الحركة قبل أن ينفى وفي منفاه كتب الورقات الكثيرة وبلغها إلى الحركة إلا أن شيئا من ذلك لم يؤخذ بعين الاعتبار وانعقد المؤتمر تلو المؤتمر دون أن يسمح لهذه الأفكار أن ترى الضوء وتناقش.

وكتب في ذلك المقالات العديدة و أرسل بها إلى المراسلة الداخلية للحركة أملا في أن يطلع عليها أعضاء الحركة ويناقشوها، فنشر المقال الأول و الثاني وقطع الطريق أمام بقية المقالات. وليس من باب الصدفة أبدا أن تجاهلت الحركة تجاهلا تاما عضوها المؤسس صالح كركر و كأنه وُوري التراب لمدة سنوات عديدة قبل اتخاذ قرار الفصل.

فالقيادة هي التي مارست قرار الفصل ضد صالح كركر منذ سنوات طويلة قبل أن تعلن عنه أخيرا وليس العكس. والسيد كركر يقول حول هذه النقطة إنه يضع الرأي العام حكما ويتحدى قيادة الحركة أن تثبت له ماديا أنها مكنته من كل حقوقه كعضو وأبقت على اتصال تنظيمي طبيعي معه وذلك منذ وقوعه تحت الإقامة الجبرية. فمن مارس الانفصال يا ترى؟ هل أن كركر هو الذي مارس انفصاله عمليا عن الحركة منذ سنين عدة كما يذكر قرار الفصل الذي اتخذته القيادة أم أن هذه الأخيرة هي التي مارست ضده قرار الفصل منذ أمد بعيد وتجاهلت وجوده تماما وتوقفت عن الاتصال به في كل ما يهم سير الأمور الداخلية للحركة وفي كل ما يهم عقد مؤتمراتها منذ سنة 1993 سواء كان ذلك في ما يتعلق بالإعداد أو بما أسفرت عنه تلك الموتمرات.

فهل يعقل أن يعامل عضو تام شروط العضوية في الحركة بمثل هذه المعاملة الجافة وبتجميد عضويته دون اتخاذ قرار صريح بالتجميد. ويذكر كركر أن أعدادا واسعة من بين أعضاء الحركة المعترضين على القيادة و أساليبها في العمل وممارساتها الغريبة قد عوملوا بهذا الشكل و فصلوا عمليا دون أن تصدر فيهم قرارات بالفصل، هذا بالإضافة لأعداد كبيرة أخرى فصلوا بقرارات رسمية أو قدموا استقالاتهم من الحركة بعد يأسهم من إمكانية تطور قيادتها.

ويذكر كركر أنه لم يعلم بفصله من حركته التي ساهم مساهمة فعالة في تأسيسها إلا بعد مدة من اتخاذ القرار ولم يمكن من أبسط إجراءات الدفاع عن نفسه. وهذا أسلوب يتنافى مع أبسط شروط مفهوم العدل حتى لدى القبائل الإفريقية حيث يحاط المتهم علما بالاتهامات الموجهة إليه ويحضر لدى محكمة القبيلة ويحضر معه من يدافع عنه وتحترم إجراءات التقاضي للجميع، وهو ما أهملت احترامه قيادة الحركة التي حددت اتهاماتها لكركر وبتت فيها سرا وأصدرت حكمها بالفصل، دون أن تمكن المتهم من أي حق من حقوق الدفاع. فهل يعقل أن تؤتمن مثل هذه القيادة على إقامة العدل بين أبناء الشعب في البلاد لو قدر لها أن تصل إلى الحكم؟؟؟

بالنسبة للطعن في شرعية مؤسسات حركة النهضة وفي شرعية قيادتها يؤكد كركر بهدوء تام أن لا شرعية القيادة والمؤسسات المنبثقة عن المؤتمر العام أمر مسلم به لا يحتاج إلى تدليل. فالقيادة الحالية للحركة ومؤسساتها لم يقع اختيارها بأكثر من خمسة بالمائة من أعضاء الحركة إذا أخذنا بعين الاعتبار الأعضاء المساجين والمفصولين والمستقيلين والمشردين في المهاجر والمغيبين عمدا من طرف القيادة.

إضافة إلى ذلك الأساليب المتبعة في تنظيم المؤتمرات التحضيرية للمؤتمر العام التي يقع فيها انتخاب أعضاء المؤتمر العام والتي لا تدعو القيادة للحضور فيها إلا الموالين لها وقلة قليلة من المعترضين عليها لا يستطيعون أن يؤثروا في تلك المؤتمرات التحضيرية شيئا. فكيف يمكن مع كل هذه التجاوزات والممارسات أن يعتبر العاقل القيادة والمؤسسات المنبثقة عن المؤتمر العام المنظم بهذا الشكل قيادة ومؤسسات شرعية؟

و يذكر كركر أن هذه القيادة هي بالفعل غير شرعية وهي من جهة أخرى قيادة قد تجاوزها الزمن وقد غدت منذ مدة طويلة عقبة كأداء أمام تطور الحركة وتخلصها من مختلف سلبياتها ومن الصعوبات التي تعترض سبيلها. فهذه القيادة حسب رأيه قيادة عاجزة ضيقة الأفق معدومة الطاقات جنت على الحركة الكثير وهي لا تزال تجني عليها و تعيق مسيرتها. ومن الواجب أن تستقيل هذه القيادة وتريح الحركة من سلبياتها المتعددة وتفسح لها المجال بذلك للنهوض بنفسها واختيار قياداتها المناسبة ومواصلة الطريق بشكل بناء وسليم يخدم مصلحة الحريات الحقيقية و الديمقراطية للجميع في البلاد.

أما حول مسألة حل الحركة لنفسها فيذكر كركر أنه ذكر ذلك في إطار مشروع أوسع متكامل ومتناسق. يذكر أنه اقترح أن تحل الحركة نفسها أي أن حل الشكل التنظيمي التي هي عليه ماضيا وحاضرا لتتشكل ضمن حركتين. حركة ثقافية وفكرية ودعوية ووعظية واجتماعية على أسس تنظيمية مغايرة تماما ومعلنة في كل تفاصيلها وتكون جزءا من المجتمع المدني يقوم على خدمة الشؤون الإسلامية البحتة بعيدا عن أي مشاركة في السباق على السلطة.

أما الحركة الثانية فيرى كركر أن تكون حركة سياسية عصرية قائمة على برامج عقلانية وعلى مؤسسات عصرية، مثل كل الأحزاب السياسية في العالم الحديث. كما يمكن لكل من يريد من ذوي القناعات الإسلامية الالتحاق بأي حزب من الأحزاب السياسية القائمة في البلاد ممن يأنس في التفاعل مع مبادئها وبرامجها. وهذا هو الوجه الصحيح لوضع حد نهائي لاحتكار الصفة الإسلامية من قبل الحركة في البلاد وتوظيفها للمسألة السياسية في إطار السياق على السلطة. وهذا من جهة أخرى يضع حدا للازدواجية المقيتة التي قسمت المجتمع التونسي إلى جزئين متعارضين، إسلامي وغير إسلامي، ويفسح المجال للمجتمع بأسره أن يتطور بهدوء وموضوعية وواقعية في اتجاه معتقده و دينه ويتصالح كوحدة مع ثقافته وهويته.

وفي العموم فإن ما تراه قيادة الحركة كأخطاء فادحة فصلت بموجها صالح كركر من الحركة التي ساهم هذا الأخير في تأسيسها بقسط وافر، يراها كركر أمورا ملحة في منتهى الإلحاحية من أجل التجديد والنهوض بالإسلام وبالسياسة معا في البلاد.

فهل سيضع قرار الفصل هذا حدا لهذا التوجه ويعيق مسيرته، أم على العكس سيزيده زخما وسيدفع بالكثيرين إلى الالتفاف حوله؟ إن مستقبل الأيام هو وحده الكفيل بالجواب الصحيح على هذا التساؤل.

لكن إلى جانب ذلك هناك ثوابت لا بد من التذكير بها.

أولها أن الممنوع هو دائم مرغوب فيه. وقد ساهم المنع و المصادرة على مر التاريخ وفي غالب الأحيان في مزيد الرواج للفكرة الممنوعة والمضطهدة ولأصحابها، خاصة إذا كانت الفكرة إيجابية بناءة مندرجة ضمن سنة التطور والتجديد التي يقوم عليها الكون وحركة التاريخ فيه. أما الثابتة الثانية فتتمثل في كون أن صاحب الفكرة الجديدة هو دائما في موقع الهجوم بينما المصادر لها والمضطهد لأصحابها هو دائما في موقع الدفاع. وقد علمنا التاريخ أن الحروب غالبا ما تحسم لصالح المهاجم حيث يصعب للمدافع أن يربح حربا تدور رحاها على أرضه. ومن تلك الثوابت أيضا يمكننا أن نذكر أن البقاء في عالم الأفكار، كما في عالم الأحياء، هو في الغالب لصالح أكثرها وضوحا و واقعية واستجابة لمصالح الخلق.

وهكذا فإن مسألة فصل صالح كركر عن حركة النهضة ليست مسألة تنظيمية تافهة ولا هي مسألة صراع بين شخصين على زعامة حركة ولا هي أيضا مسألة تكتيك سياسي افتعلته الحركة لقضاء بعض المآرب السياسية كما يروق للبعض أن يتخيله. إنما هي مسألة جوهرية في منتهى الدقة والأهمية، هي مسألة صراع طبيعي و منطقي بين التقليد والجمود والانغلاق من جانب وبين التجديد والإبداع والمرونة والتيسير على الخلق من جاب آخر.

وإذا فهمنا المسألة على هذا الأساس فيصبح بذلك الطريق في هذه المسألة واضحا أمامنا، وكذلك لمن من كلا الطرفين ستكتب الغلبة في النهاية، وهنا لسنا نتكلم على مستوى الأشخاص والأفراد وإنما على مستوى أهم بكثير، على مستوى الأفكار والتوجهات. إلا أن حصول ذلك سوف لن يكون هينا.

ويؤكد لنا صالح كركر تمسكه بالإسلام كمعتقد ودين للشعب وكنظام أخلاقي وتربوي فريد في نوعه في بناء النفس البشرية الشفافة والمستقيمة وكمصدر استلهام واستنباط للمجتمع بأسره في كل أوجه حياته إذا ما استعمل على أحسن وجه تلك الملكة التي خلقه الله تعالى بها و ميزه بها على بقية المخلوقات، ألا وهي العقل.

جمع من أعضاء فضاء الحوار من أجل الحريات و الديمقراطية في تونس

الذي يقوم بتنشيطه صالح كركر

25 ـ 11 ـ 2002

افتتاحية المناضل:العدد الثاني عشر

2 comments:

NASR said...

la vraie question serait, il me semble "Qui ne s'en souvient pas", lui qui a marqué de son empreinte les esprits.

Dédé said...

Salah Karkar est une figure politique qui manque énormément au paysage politique tunisien. Au où sa santé le lui permettrait, il doit reprendre sa vraie place tant usurpée au sein de Ennahdha.
Dédé alias mohamed hédi marzouk