Search This Blog

Friday, September 06, 2013

Béji Essebsi et Ahmed Mestiri?


خاص:بين الباجي قائد السبسي وأحمد المستيري: دواء مرّ لا بدّ من تجرّعه

06/09/2013 21:34


في إطار البحث عن حلّ للخروج من الأزمة السياسية التي تمرّ بها البلاد تمّ تداول عدة أسماء مرشحة تحت لافتة «شخصيات وطنية» لتقلد مهام رئاسة الحكومة لإتمام المسار الانتقالي. وقد علمت «التونسية» من مصادر موثوقة أن حركة «النهضة» غيّرت موقفها من مصطفى الفيلالي بسبب تصريحاته الأخيرة التي عدّت «عدائية «تجاه الحركة، وجددت «النهضة» رفضها لكل من مصطفى كمال النابلي المحافظ السابق للبنك المركزي.
كما استبعدت «النهضة» عياض ابن عاشور وفي المقابل فإنها تتمسك مبدئيا بأحمد المستيري كمرشح أول لرئاسة حكومة وحدة وطنية قد يفرزها الحوار الوطني «المتعثر» ، وليست هذه المرة الأولى التي تلعب فيها «النهضة» ورقة أحمد المستيري إذ تفيد شهادات متواترة عن الانقلاب الذي كان الإسلاميون يعتزمون تنفيذه ضد بورقيبة يوم 8نوفمبر 1987 – قبل أن يسبقهم بن علي بيوم واحد بإعلان عزل بورقيبة لأسباب صحية- أن حركة الاتجاه الإسلامي بزعامة راشد الغنوشي كانت تنوي إسناد رئاسة الجمهورية لأحمد المستيري خلفا للأسد العجوز، فمن يكون هذا الرجل الذي يتكرر اسمه عند الأزمات وتلوح به «النهضة» بديلا «مقبولا» لعلي العريض؟
ولد أحمد المستيري بضاحية المرسى في 2جويلية 1925 لعائلة ثرية من كبار فلاحي مدينة تونس المعروفين «بالبلدية»(بتسكين اللام)  وإن كانت جذوره تعود إلى مدينة المنستير. إنتمى للحزب الحر الدستوري عام 1942 وانخرط في المحاماة سنة 1948 (قبل الباجي قائد السبسي بأربع سنوات)، دخل الديوان السياسي سنة 1952 وتعرض لمحاولة اغتيال من قبل «اليد الحمراء».
إثر الاستقلال سمّي على رأس وزارة العدل(كانت آنذاك كتابة دولة)  ثم أسندت إليه حقيبة المالية والتجارة (1958) وفي 1960 عين سفيرا بالإتحاد السوفياتي ثم في مصر والجزائر وفي جوان 1966 عاد لتولي وزارة الدفاع ثم أطرد من الحزب الإشتراكي الدستوري في جانفي 1968 بسبب معارضته لسياسة التعاضد التي كان يقودها الوزير متعدد الحقائب آنذاك احمد بن صالح .
وبسقوط بن صالح وفشل تجربة التعاضد عاد احمد المستيري إلى الديوان السياسي للحزب في 23 أفريل 1970 وسمي وزيرا للداخلية في جوان 1970 غير انه سريعا ما إستقال من الوزارة (21جوان 1971) بسبب عدم وفاء بورقيبة بوعود الانفتاح السياسي وهي استقالة تم تجميدها بضغط من بورقيبة نفسه .
في أكتوبر 1971 انعقد مؤتمر الحزب بالمنستير وكان بورقيبة قد حلّ الديوان السياسي وكلف لجنة عليا للحزب وعين أحمد المستيري مقررا لها وأوكل لهذه اللجنة إعداد مشروع دستور من أجل مراجعة صيغة انتقال السلطة في حالة حدوث شغور في رئاسة الجمهورية  كما كلف بورقيبة في 12جوان 1970  الباهي الأدغم بتشكيل حكومة جديدة ضمت احمد المستيري ، هنا يعلق قائد السبسي في مذكراته «وبما أنني لم أكن أنتمي إلى أية مجموعة فقد ارضى ذهابي الجميع» في اشارة الى تعيينه سفيرا في باريس التي حلّ بها في 11سبتمبر 1970 .
لم يطل المقام بأحمد المستيري في الحكومة بعد إقالة الباهي الأدغم وتعويضه بالهادي نويرة إذ إستقال يوم 4سبتمبر 1971 خمسة أسابيع قبل إنعقاد مؤتمر الحزب بالمنستير (11-15 اكتوبر 1971) وتفوقت الأغلبية الديمقراطية في المؤتمر وحل الباهي الأدغم في مقدمة الفائزين في انتخابات اللجنة المركزية يليه احمد المستيري. أما الوزير الأول الهادي نويرة فحلّ خامسا وكان ينتظر أن يتم انتخاب الديوان السياسي من بين أعضاء اللجنة المركزية الجديدة غير أن بورقيبة قلب الطاولة على الجميع إذ ابعد أحمد المستيري بسبب تصريح أثار غضب «المجاهد الأكبر»  لمجلة «لوفيغارو» الفرنسية وقدم بورقيبة قائمة بعشرين اسما ليتم اختيار أعضاء الديوان السياسي من بينها  وكان الهادي نويرة في مقدمة الفائزين .
علّق بورقيبة نشاط احمد المستيري ثم تم طرده نهائيا من الحزب في 21جانفي 1972 وفي 20 جويلية 1973 رفت من البرلمان الذي شغل عضويته منذ المجلس الوطني التأسيسي (1956-1959)
منذ ذلك الزمن حدثت القطيعة بين أحمد المستيري و«المجاهد الأكبر» الحبيب بورقيبة الذي أمر بوضع «غريمه» قيد الإقامة الجبرية في أفريل 1986 بعد مشاركة المستيري في مسيرة منددة بالعدوان الأمريكي على ليبيا
 المستيري ...قائد السبسي قرابة عائلية وسياسية....
ما لا يعرفه الكثيرون أن أحمد المستيري والباجي قائد السبسي الذي يصغره بسنة واحدة يرتبطان بقرابة عائلية، ففاطمة قائد السبسي  زوجة حمودة القصار وأمّ الشاعر الطاهر القصار هي عمّة الباجي قائد السبسي و هي  أيضا جدة أحمد المستيري(من الأمّ)  وهي كذلك جدة حمودة بن سلامة احد مؤسسي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين.
وقد اشترك المستيري وقائد السبسي -وكلاهما محام-  في محطات كثيرة من العمل السياسي في بناء الدولة الوطنية غير أن أحمد المستيري كان يتفوق على قريبه الباجي الذي ظل-مقارنة بمنافسه- في الصف الثاني من رجالات الدولة إذ لم يتقلد الوزارة إلا سنة 1965 بتعيينه على رأس الداخلية بعد الوفاة المفاجئة للطيب المهيري (إبن ضاحية المرسى هو أيضا تماما مثل أحمد المستيري الذي كان معه في الشعبة الدستورية سنة 1942). ويبدو أن القرابة العائلية لم تكن كافية ليسود الود علاقة الرجلين اللذين تختلف طباعهما فالباجي قائد السبسي يعيش حسب المقربين منه على نمط البورجوازية وهو محبّ للحياة ومتعها،  ويتميز بسرعة البديهة وروح الدعابة والنكتة. أما أحمد المستيري فعلى الرغم من زواجه بإبنة أحد أعيان البلدية وهو رجل الأعمال محمد شنيق الذي اختاره المنصف باي وزيرا أكبر سنة 1943 ثم عينه الأمين باي في أوت 1950 للمنصب ذاته قبل أن ينفى إلى قبلي،  فإنه يعيش حياة بسيطة وصارمة فضلا عن مزاجه الحاد ونفوره من الجدل والحوار ولا يعرف لأحمد المستيري أصدقاء بسبب مراسه الصعب في ما يروي  عنه كثيرون ممن عرفوه ...
ولئن أعلن المستيري رفضه لسياسة التعاضد الذي كلّفه الطرد من الحزب فإن قريبه ومنافسه الباجي قائد السبسي ساند تجربة التعاضد  قبل أن يغير موقفه بعد سحب البساط من تحت قدمي احمد بن صالح في 7نوفمبر 1969  ليعين قائد السبسي وزيرا للدفاع إلى غاية 12جوان 1970 تاريخ تعيينه سفيرا في فرنسا في وقت كان فيه المستيري عضوا بحكومة الباهي الأدغم ومقررا للجنة العليا للحزب قبل مؤتمر المنستير 1971 ...
إشترك المستيري وقائد السبسي في الدعوة إلى الانفتاح الديمقراطي داخل الحزب الحاكم وفي مؤسسات الدولة، دعوة أدت بالأول الذي تزعم التيار الإصلاحي داخل الحزب الحاكم  إلى الطرد.
 في 13 أكتوبر 1972 سنة بعد مؤتمر المنستير اشترك قائد السبسي في صياغة رسالة إلى بورقيبة تذكره بالوعد الذي قطعه في خطابه يوم 8جوان 1970 بإرساء الديمقراطية داخل الحزب والدولة فكانت النتيجة أن إلتحق بالمستيري «المطرود». ففي سبتمبر 1974 تم رفت قائد السبسي بقرار من مؤتمر المنستير الثاني(12-14سبتمبر 1974) بعد ان تم إقصاؤه من المشاركة في المؤتمر رفقة كل من حسيب بن عمار والحبيب بولعراس ومحمد الصالح  بلحاج والصادق بن جمعة ومحمد بن عمارة ومحمد مواعدة كما تم فصل قائد السبسي من عضوية مجلس النواب، و اقر مؤتمر المنستير الثاني رئاسة بورقيبة مدى الحياة .
بعد طرد الباجي قائد السبسي عاد الرجلان إلى الإلتقاء في المربع ذاته واشتركا في الحراك الديمقراطي الذي عرف أوجه منتصف السبعينات ببعث جريدة «الرأي» (لحسيب بن عمار)  ومجلة «ديمكراسي» التي تولى الباجي قائد السبسي بنفسه إداراتها، كما ساهم المستيري وقائد السبسي في بعث الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان(7ماي1977)، وانتهى المسار الذي جمع عددا من المغضوب عليهم من طرف بورقيبة (الحبيب بولعراس، الصادق بن جمعة،راضية الحداد، محمد الصالح بلحاج...) بإعلان تأسيس حركة الديمقراطيين الإشتراكيين في جوان 1978 بزعامة احمد المستيري، غير أن قائد السبسي رفض الانضمام إلى الحركة معتبرا أن حزبه هو الحزب الإشتراكي الدستوري الذي طرد منه  ظلما وأنه سيأتي يوم ويعود إليه. ويرى عدد ممن عايشوا تلك الفترة أن معركة الزعامة كانت على أشدها بين قائد السبسي والمستيري وحسيب بن عمار ، وأنها السبب في عدم إنخراط حسيب بن عمار وقائد السبسي في الحركة الوليدة .
أسس أحمد المستيري حركة الديمقراطيين الإشتراكيين ومعه مجموعة من المناضلين الشبان المتحمسين من أبرزهم مصطفى بن جعفر(الرئيس الحالي للمجلس التأسيسي) وعبد الحي شويخة ومحمد مواعدة والدالي الجازي وحمودة بن سلامة وإسماعيل بولحية. أما الباجي قائد السبسي فسرعان ما عاد إلى أحضان السلطة التي ذاق طعمها منذ سنوات الاستقلال الأولى(مستشار لبورقيبة، مدير إدارة جهوية بالداخلية، مدير الأمن سنة 1963 بعد المحاولة الإنقلابية للأزهر الشرايطي)  بتعيينه وزيرا معتمدا لدى الوزير الأول الجديد محمد مزالي في 3 ديسمبر 1980 قبل ان يعين وزيرا للخارجية في 15افريل 1981 بعد المؤتمر الاستثنائي للحزب  يومي 10و11 افريل وهو مؤتمر أعلن فيه بورقيبة بدفع من مجموعة إصلاحيين في الحزب في مقدمتهم قائد السبسي نفسه  انه «لا يرى مانعا في قيام تشكيلات وطنية سياسية او إجتماعية « وكرر بورقيبة العبارة ثلاث مرات تحت هتافات المؤتمرين «يحيا بورقيبة» كما يشهد بذلك قائد السبسي في كتابه «لحبيب بورقيبة: المهم والأهم» .
غير أن القدر تدخل مرة أخرى ليضع الرجلين وجها لوجه ففي الانتخابات التشريعية التي انتظمت في 1نوفمبر 1981 كان قائد السبسي رئيسا لقائمة الحزب الحاكم في دائرة تونس المدينة في مواجهة احمد المستيري الذي ترأس القائمة الخضراء لحركة الديمقراطيين الإشتراكيين .
يعترف الباجي قائد السبسي في مذكراته ولو باستحياء بهزيمته أمام «غريمه»  احمد المستيري الذي لم تمنحه الأرقام الرسمية سوى 1500 صوت في حين أعلن الباجي فائزا بأكثر من 150الف صوت وهي نتيجة علق عليها قائد السبسي في مذكراته»مثل هذه الأرقام تنم عن غباء» ، وبذلك حرم احمد المستيري من الدخول تحت قبة مجلس النواب وأجهضت اول انتخابات تعددية عرفتها تونس ، ويبدو ان احمد المستيري لم يغفر لقريبه الباجي صمته على تزوير الانتخابات وظل البرود يسود علاقتهما إلى اليوم ...
بعد «الانقلاب الطبي» في 7 نوفمبر 1987 سعى بن علي إلى تحييد أحمد المستيري زعيم اكبر حزب معارض آنذاك.مصادر عليمة أفادتنا بأن بن علي عرض على المستيري منصب رئيس المجلس الدستوري بصلاحيات واسعة، عرض رفضه زعيم حركة الديمقراطيين الإشتراكيين ورأى فيه فخا يجب تجنب الوقوع فيه، كانت عينا بن علي على أول انتخابات رئاسية في أفريل 1989 وكان يخشى أن ينافسه المستيري على كرسي قصر قرطاج...اختار أحمد المستيري تزكية ترشح بن علي وراهن على فوز حركته بنصيب وافر من المقاعد في البرلمان وهو  سيناريو لم يحدث بسبب الصعود المفاجئ للقائمات البنفسجية المدعومة من الإسلاميين (حركة «النهضة») ، وسريعا ما أعلن أحمد المستيري بعد هذه الهزيمة الانتخابية اعتزاله الحياة السياسية بعد أن انقلب عليه أقرب المقربين منه في الحركة(خميس الشماري، محمد مواعدة وإسماعيل بولحية) ولم يبق إلى جانبه سوى مصطفى بن جعفر...كان واضحا أن السلطة وبن علي نفسه لم يكونا بعيدين عمّا جرى للزعيم المعارض التاريخي. أما الباجي قائد السبسي فقد فاز في انتخابات 1989 بمقعد تحت قبة البرلمان الذي ترأسه إلى غاية 1991 تاريخ إنهاء مهامه كرئيس للمجلس. وهنا تختلف الروايات حول سبب هذا العزل وإن كان متفقا عليه أنّ بن علي لم يكن يستلطف «الباجي» إبن الحاضرة المتعلم بالجامعات الفرنسية ورجل الديبلوماسية صاحب العلاقات الواسعة والشخصية الكاريزماتية المشعّة، واستمرت عضوية الباجي «الباردة» في مجلس النواب إلى غاية سنة 1994 حتى غادر الحياة السياسية بشكل نهائي إلى أن كان ما كان بسقوط نظام بن علي في 14جانفي 2011  والاستنجاد بقائد السبسي في 27فيفري2011 رئيسا للحكومة المؤقتة بعد أن رمى محمد الغنوشي المنديل ...
مصادر مطلعة أفادت «التونسية» أن أحمد المستيري هو آخر شخص يرغب قائد السبسي في ترؤسه لحكومة الوحدة الوطنية «المفترضة» ولكن ليس أمامه أن يرفض لأن الأمر شبيه بتناول دواء مرّ لا علاج من دونه ، ولكنّ السؤال الذي يبدو أنّ كثيرين غفلوا عن طرحه هو هل يقبل أحمد المستيري –وهو على عتبات التسعين من العمر- أن يكون رئيس حكومة محكوما عليه بتقديم كثير من التنازلات وهو الذي ظلّ طيلة حياته مثالا للرجل الصلب وأحيانا المتصلّب...





محمّد بوغلاّب

No comments: