سيرورة الأزمة
السورية في سياق الأزمة الرأسمالية العالمية
المبادرة
الوطنية الأردنية
12 /
9 /
2013
الحروب العسكرية
شكل مكثف للسياسة، وتعبير في فترة زمنية ما، عن أزمة توازن
مصالح قوى رأسمالية قومية على الصعيذ العالمي، أزمة توزيع هيمنة رأسماليات قومية
قوية على دول ضعيفة وهيمنة
على اسواقها .
لأسباب اقتصادية،
وبسبب نهج الهيمنة والاستغلال من قبل المراكز
الرأسمالية العالمية، ممثلة الشركات العملاقة، يحتدم الصراع، على شكل حروب دموية،
بين قوى الهيمنة ذاتها من أجل اقتسام الأسواق العالمية، وخاصة أسواق المحيط ، لذلك
لم تشكل الحرب العالمية الأولى الدموية نهاية الحروب، بل أصبحث مقدمة لحرب عالمية
ثانية أكثر دموية ، أيضاً بسبب عدم توازن مصالح الرأسماليات القومية. كذلك لم تشكل
الحرب العالمية الثانية نهاية الحروب، لا بل انتهت مباشرة إلى الحرب الباردة - الحرب
العالمية الثالثة – التي دخلها العالم باعتبارها شكلاً جديداً من الصراع العالمي،
حيث لم تعد حروباً بين رأسماليات قومية، بل صراعاً بين معسكرين- المعسكر الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي
– حول ما عرف بالتعايش السلمي والتنافس
السلمي، ثبت في النهاية أن ليس هناك من إمكانية للتعايش السلمي بين هاتين
المنظومتين، بل إن ما جرى كان في الجوهر صراعاً تناحرياً، انتهى إلى إنهيار
المعسكر الاشتراكي ، أحد النماذج المحتملة لبناء الاشتراكية، وفي الوقت ذاته تبلور
أزمة خانقة تلف المعسكر الرأسمالي العالمي.
في الأزمات الكبرى،
يشكل أى حدث ذريعة لشن حرب منشودة، من قبل
الطرف المعتدي، على الطرف المعتدى عليه . والأمثلة الحديثة كثيرة: ذريعة التطهير
العرقي في يوغسلافيا، وذريعة أسلحة الدمار الشامل في العراق، وذريعة الأسلحة
الكيماوية في سوريا الآن – وجميع هذه الحروب العدوانية أتت في سياق مشروع أكبر بكثير من ساحة البلد المعتدى
عليه، أي في سياق مشاريع كبرى، مثلاً الشرق الأوسط الكبير.
في أي سياق تأتي
هذه الهجمة الأمريكية الشرسة على سوريا ؟؟
لا يختلف إثنان على
حجم الأزمة الخانقة التي تعيشها الرأسمالية الأمريكية، التي تشكل قاطرة جرّ عربة المركز
الرأسمالي العالمي، ولم يعد سراً حجم المديونية التي قاربت (85) ترليون $، بحسب
موقع روسيا اليوم، أي خمسة اضعاف الدخل القومي السنوي للولايات المتحدة الأمريكية،
علماً بأن صندوق النقد الدولي يصنف أي دولة تزيد مديونيتها عن 80 % من دخلها القومي بكونها دولة فاشلة، فماذا يسمي صنذوق النقد الدولي
حالة الولايات المتحدة هذه؟
إعتمدت الإدارة
الأمريكية لحل الأزمة التي دخلتها بعد ما سمي بالأزمة العقارية، التي هي في
الحقيقة أزمة بنيوية، إلى تخفيض أسعار الفائدة إلى الصفر، إلا أنه وبالرغم من
تخفيض أسعار الفائدة على كل العملات الرئيسية إلى الصفر تقريباَ ، ظلت معدلات
النمو في الاقتصاديات الغربية ضعيفة جداً ، كما ظلت معدلات البطالة مرتفعة . ومن ثم بدأ بنك الاحتياطي الأمريكي في استخدام
سلاحه الثاني وهو ما يسمى بالإنجليزية ( QE ) Quantitative Easing أو
التوسع الكمي . وبموجب هذه السياسة يقوم البنك بطرح إصدارات نقدية جديدة دون أي
غطاء (يصل حجمها إلى 85 بليون دولار شهرياً) يستخدمها في شراء سندات من الأسواق
المالية في أمريكا ، فيما يسمى بسياسة
السوق المفتوح ، مع الإبقاء على أسعار الفائدة الأساسية قريبة من الصفر . وهي سياسة نقدية جريئة وعنيفة لم تتبع منذ
الكساد الكبير.
وبحسبة
بسيطة يتضح أن مجموع السيولة النقدية المصطنعة ، التي يقوم الاحتياطي الأمريكي
بضخها في شرايين الاقتصاد العالمي لإنعاشه ، تصل إلى تريليون دولار في العام . وحيث أن مجموع الناتج المحلي الأمريكي GDP يصل إلى حوالي 15 تريليون دولار في العام
، فإن نسبة السيولة الجديدة إلى ال GDP تكون حوالي 7% ، وهي نسبة كبير الشبكة
العربية العالمية: محمود يوسف بكير .
فكيف ستتمكن الإدارة
الأمريكية من الخروج من هذه الأزمة
الخانقة والقاتلة؟
الأزمة الرأسمالية
تتفاقم وتتعمق وتتسع وتصبح مركبة ومعقدة ،
ومن الصعب حلها بالأساليب والوسائل المعتادة، فهل الحرب على سوريا ستحل الأزمة ؟؟
الجواب بالتأكيذ
لا، حيث سبق أن حاول جورج بوش الصغير مواجهة بوادر الأزمة حيث لم تكن المذيونية
تصل إلى ترليون $، بفتح الحرب على العراق، فهل نجح هذا الحل؟ ما حصل هو العكس
تماماً ، حيث تعمّقت الأزمة وازدادت حدةً ، لتصل المديونية إلى نحو (85) ترليون $،
رقم فلكي لم يخطر على بال أكثر الاقتصاديين تشاؤماً .
علمنا التاريخ أن
المركز الرأسمالي الأمريكي، حيثما يدخل في أزمة يعتمد السطو على مدخرات ومقدرات
الشعوب والأمم والدول الأخرى مخرجاً من أزمته، وله تاريخ طويل في عمليات السطو هذه :
·
بعد الحرب العالمية
الثانية تم توقيع اتفاق ، برتنوود، الذي نص، من
بين أمور أخرى، على مسألتين: أولاً أن يكون الذهب هو الغطاء المعتمد للعملات،
وثانياً تسعيرة العملات فيما بينها تكون ثابتة، وتم إعتماد أونصة الذهب في البنك
الفدرالي الأمريكي بقيمة 35 $ ، نهاية
ستينات القرن الماضي تنبه ديغول، رئيس
جمهورية فرنسا آنذاك، إلى أن حجم النقد من الدولار في أسواق أوروبا لوحدها تفوق
مجمل الغطاء من الذهب، فطالب الولايات المتحذة بكشف حساب حول هذا الموضوع، ماذا
حصل؟ تم تدبير ربيع فرنسي عام 1968 – ثورة الطلبة - بهدف إطاحة ديغول، وهذا ما حدث .
·
بداية سبعينات
القرن الماضي فرضت الإدارة الأمريكية رفع غطاء الذهب عن العملات وعّومت أسعار
العملات، وفرضت سعر بيع للأونصة الواحدة 350$ ، وبهذا سرقت أمريكا من دول العالم عن كل أونصة ذهب فرق
سعر يساوي 315 $
·
بعد فترة قصيرة
فرضت الإدارة الأمريكية على الدول المنتجة للنفط بيعه بالدولار فقط - ربط النفط
بالدولار - وقررت رفع أسعار النفط ، فطلبت
من ملك السعودية، آنذاك الملك فيصل، بصفتها أكبر منتج للنفط ، بفرض حظر على تصدير
النفط تحت حجة المشاركة في حرب أكتوبر 1973 ، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط خمسة اضعاف .
ومن المعلوم أن عائدات النفط تعود إلى الخزينة الأمريكية فعلاً، وتتضرر جراء ذلك
الدول المستوردة للنفط ، وهكذا تمت سرقة كبرى أخرى، للدول المستهلكة للنفط .
·
في أزمة ما يسمى
الرهن العقاري، كان المتضرر الأكبر الصناديق السيادية العربية ، حيث بلغت خسائرها المعلنة
( 2,5 ترليون $ ) ، أي ما يعادل 70 % من حجم استثماراتها، في حين خسرت الدول
الأوروبية حوالي 40 % من حجم استثماراتها، بينما لم تبلغ خسارة الاستثمارات
الأمريكة سوى 20 % من حجم استثمارتها، هل هي صدفة أن تكون خسائر الصناديق العربية
هي الأعلى والأمريكية هي الأدنى؟ إنها السرقة الكبرى الثالثة، ... الخ.
لكي نفهم الحرب على
سوريا لا بد من ربطها بالواقع الرأسمالي للمركز الرأسمالي . هل يعاني المركز
الرأسمالي بشكل عام والأمريكي بشكل
خاص أزمة خانقة ؟ الجواب نعم،
فعلى ضوء ما تقدم ،
هل يمكن الشك ولو للحظة واحدة بأن ما يجري على صعيد سوريا والمنطقة هو مخطط لسرقة
أمريكية كبرى جديدة ؟ الجواب لا شك في ذلك .
هل من شك بأن ما
يسمى الربيع العربي شكل مقدمة مباشرة للهجوم على سوريا؟ ليس هناك من شك.
هل تأتي الهجمة على
سوريا في هذا السياق؟ سياق الأزمة الاقتصادية الخانقة للرأسمالية العالمية، الجواب
نعم بالتأكيد .
وهل يمكن الإعتقاد
بأن الإدارة الأمريكية بدأت مشروعها الكبير هذا بخطوة الهجوم على سوريا عبر
مجموعات التبعية : الإسلاموية واللبرالية واليسارية، ومن خلال شعارات كاذبة:
الحرية والديموقراطية والتبادل السلمي للسلطة؟ الجواب نعم .
هل أثبتت أحداث
السنتين والنصف الأخيرتين ، فشل قوى التبعية هذه في إنفاذ المشروع الأمريكي على
الصعيد السوري ، الذي شكل نقطة انطلاق في سياق المشروع الكبير؟ الجواب نعم .
وهل يمكن تصور سبب
أخر لدخول القوة العسكرية الأمريكية المباشرة على خط المعركة العسكرية في سوريا ، غير فشل مجموعات التبعية المسلحة في إسقاط الدولة
السورية ؟
هل مواقف مراكز
صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية
موحدة حول كيفية الخروج من الأزمة الاقتصاية الاجتماعية الخانقة ، الممتدة والمركبة التي يعيشها النظام
الرأسمالي؟ وهل هناك إجماع بين مراكز صنع القرار على شن حرب جديدة وعلى سوريا خاصةً ، الجواب كلا .
بدليل إختلاف
المواقف بين الإدارة والكونجرس، والخلاف في صفوف الحزب الواحد ، والخلاف بين
مجموعتين متناقضتين في السياسة الأمريكية وإدارة الأزمة، مجموعة الانكفاء التي
تعتقد بأن أمريكا لا تحتاج إلى العالم الخارجي، خارج أسوارها، نتيجة امتلاكها
ثروات كثيرة وخبرات وقدرات هائلة، مقابل مجموعة المحافظين الذين يؤمنون بأن قوة
أمريكا تكمن في هيمنتها على العالم الخارجي، أي خارج اسوارها.
هل يمكن الاعتقاد
بأن الهجمة ستتوقف بمجرد الموافقة على وضع أسلحة سوريا الكيماوية تحت التصفية؟
الجواب بالتأكيد لا، لماذا ؟ لأن الهجمة تستهدف ما هو أبعد بكثير، كما سبق وتم
توضيحه، والهجمة بالتأكيد ستأخذ أشكالاً جديدة وستتقدم الإدارة الأمريكية بطلبات
جديدة، لسبب بسيط ، هو أن الهجمة تشكل
بداية مخطط أكبر من الساحة السورية .
في ظل هذه
التساؤلات وفي سياق مشروع المركز الرأسمالي الأمريكي، هل يمكن الشك بأن الهجمة هذه
تستهدف الجميع في هذه المنطقة ؟ لا شك في ذلك .
هل يمكن الاقتناع
بأن الأشكال الاحتجاجية السائدة، مظاهرات تضامن، وشعارات التنديد بالهجمة، وصراخ
اللعنة على الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية، كفيلة بالتصدي لهذه الهجمة؟
الجواب بالتأكيد لا، والتجارب السابقة خير دليل: الموقف من الانتفاضة الأولى، ثم
حرب الخليج الأولى، ومن بعدها الانتفاضة الثانية، ثم حرب الخليج الثانية، حيث نزل
ملايين من البشر في كل دول العالم ، ترفض وتندد ، ولكنها لم تتمكن من أن تثني ألمركز
الرأسمالي الأمريكي عن العدوان على العراق، والصهيوني من العدوان على الشعب الفلسطيني،
حيث ثبت عدم نجاعة هكذا أساليب في ردع العدوان .
في المقابل هناك
نموذج آخر للتصدي ، جرّب ونجح، تمثل في بناء عناصر القوة بشكل تراكمي وتصدى للهجمة
ونجح : العدوان على لبنان والتصدي الفعلى الباسل له من قبل المقاومة اللبناية
وانتصارها عليه عام 2006، وانتصار المقاومة الفلسطينية في حرب غزة عام 2008، وفشل
الهجمة الشرسة على سوريا طيلة السنتين والنصف الماضيتين .
إذن ، نحن أمام
نموذجين وخيارين . فأيهما نختار؟
خيار التنديد
والرفض واللعن على المعتدي تطبيقاً للمقولة العربية الشهيرة ، أوسعته شتماً وذهب
بالإبل، مقابل خيار بناء عناصر القوة
وتأمين شروط الانتصار على المعتدي، فأيهما نختار؟
خيار التحرر عبر
تراكم النضال ، هو الخيار الوحيد المنتج والمجرّب على صعيد شعـوب الأرض التي عانت
من العدوان والاستعمار المباشر وغير المباشر، ممثل في بناء حركة تحرر وطني، وصياغة
مشروعاً حقيقياً وواقعياً للتحرر الوطني، وحشد كافة شرائح المجتمع الكادحة
والمنتجة، وبناء الحامل الاجتماعي الحقيقي لمشروع التحرر الوطني، وإنجاز مهمات
مرحلة التحرر الوطني ممثلة بالمهمات التالية: كسر التبعية وتحرير الإرادة السياسية
وتحرير الثروات الوطنية وتحقيق التنمية المتمحورة حول الذات وتحقيق وحدة
الأمة.
فالأمة العربية
تتعرض لحملة عدوانية شرسة، والعالم بأجمعه يتعرض لمشروع سطو من قبل المركز
الرأسمالي العالمي، بؤرته سوريا ،
المطلوب هو العمل
الجاد والصادق لبناء حركة تحرر وطني، على صعيد الشعوب العربية ، لتتكامل على صعيد
الأمة في بناء حركة تحرر وطني عربي . هذا هو المدخل وهو المخرج من الأزمة التي تعيشها
شعوب الأمة .
كلكم للوطن والوطن
لكم
No comments:
Post a Comment